مجله المقتبس (صفحة 4509)

وشر البناؤون في عمل السقايل لأجل النقض حول المنارة الزبورة واستعظم طائفة البنائين من النصارى نقضها فانتدب رجل من طائفة النجارين المسلمين لنقضها من غير سقالة وطلع إلى رأس المنارة إلى أن انتهى إلى هلالها ولم ينزع من ثيابه شيئاً بل خرج بقاووقه وشخشيره وأخرج معه مطرقة وإزميلاً حديداً صغيراً وصار يقلع بهما الأحجار ويلقيها في أسفل والناس ينظرون إليه من صحن الجامع ونقض في ذلك الوقت حصة من المنارة وكانت أعلا مما هي عليه الآن بخمسة وثلاثين ذراعاً وأغلظ بمقدار خمسة أذرع وهلالها فوق شاش من الحجر الكبير وبذل الوزير للنجار وكان حاضراً لما صعد إلى المنارة جائزة ووعده أنه إذا تم العمل أن يقابله بالجوائز السنية وأخذ البناؤون في تهيئة أسباب البناء من عمل الدواليب وحفر الأسس.

ثم استهل شهر ربيع الثاني بيوم الأربعاء ففي ليلة الاثنين سادس الشهر المذكور بعد صلاة العشاء بالجامع الشريف بنحو ثلث ساعة رجفت الرجفة العظمى والزلزلة الكبرى التي لم ير ولم يعهد مثلها في سوالف العصور فصارت الجبال تمور والأرض تغور والمياه تفور وبقيت بعد سكونها تتوالى إلى رجفات لطيفة إلى أن أصبح الصباح واستمرت نحو درجتين فانخلعت لها القلوب وصار الناس يبتهلون بالدعاء والتضرع لعلام الغيوب وحارت العقول وطاشت الرجال الفحول وثار في ذلك الوقت الغبار والقتام واشتد في ذلك الآن الظلام وأدهش الناس في ذلك الخطب المهم والمرعب المدلهم الذي انعقدت له الألسن وخرست وغرات له العيون والشفاه يبست وصارت الأرض تفور وتغلي مثل المرجل وانكشفت تلك الساعة عن غالب منارات دمشق بالسقوط وبالقصف والمأذنة الشرقية الأموية المتقدم ذكرها وقعت إلى الأسفل ولم تحوج إلى فك وسقطت قبة النسر في الجامع المرقوم مع عظمها وسقط جميع الرواق الشمالي بأعمدته المحكمة وعضاداته وكان مشتملاً على عضادات وأعمدة بين كل عمودين عضادة مبنية بالرخام وأنواع الحجار المثمنة من أسفلها إلى أعلاها وسقطت المنارة الشرقية على جهة الجمع فهدمت مقدار ثلث المغارب الثلاث التي بقربها وتشققت غالب الجدران وأشرفت عل السقوط فسبحان الفعال لما يريد الحي القيوم الذي لا يموت.

ولم تبق قبة في دمشق إلا وأصابها عاهة أو سقطت ولم يسلم منها إلا النادر وسقط جميع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015