جامع يلبغا مع قبته الهائلة ومنارته مع أن بناءه كان في غاية الرصانة والمتانة وسقط من الخان البديع الذي بناه الوزير أسعد باشا والي دمشق ونائبها ثلاث قباب هائلة وتهدمت دور دمشق إلا القليل وكثرت القتلى في تلك الليلة وتهدمت القرى التي حول دمشق وهلك بسبب ذلك من الأنفس والمواشي ما لا يحصى كثرة وكان من جملتها قرية التل قتل بها تحت الردم ما ينوف على خمسمائة ولم يسلم منها إلا القليل وقرى الجبل كالهامة والزبداني ووادي بردى هلك فيها تحت الهدم ما لا يعد ووقع سور مدينة دمشق في نهر عقربا أحد أنهار دمشق فسده وسور قلعة دمشق الغربي سقط جميعه وسد نهر بانياس وسدت الطرق بالتراب والأخشاب والصخور وصارت السماء مع الأرض تمور وتلف من الأموال والأنفس ما لا يحيط به حد ولا يحصره عد وذهب من الأثاث والأمتعة والأواني الصيني الشيء العظيم الكبير فسبحان من قضى بلك ليعلم العباد أن كل شيء هالك إلا وجهه فصار الناس لا يألفون الأوطان ولا يستقرون بمكان وخرج أهل دمشق جميعاً بأموالهم وأنفسهم وعيالهم إلى خارجها ونصبوا الخيام وبقوا ثلاثة أشهر وهي في الخارج وقد نظم في تلك الزلزلة الهائلة الفاضل العالم الأديب مصطفى بن أحمد بن محمد الدمياطي أبياتاً قال:
إن تناسيت أوقات أنس تقضت ... لست أنسى ليالي الزلزال
أذكرتنا كيف المنام بمهد ... وأرتنا بالعين رقص الجبال
أشهدتنا تمايلات قصور ... باهتزاز كحالة الأطفال
ولما عرض كافل دمشق الوزير عبد الله بن إبراهيم الشهير بالجتجي إلى الأبواب العالية السلطانية بقسطنطينية المحمية حال الجامع الشريف الأموي المزبور وقلعة دمشق وما أصابها من الانهدام وسألوا الدولة في تعميرها وكان صاحب التخت العثماني السلطان مصطفى ابن السلطان أحمد فلما وصل الخبر إليه صدر الأمر منه بتعميرها وأرسل أميناً على العمارة المزبورة أحد البوابين بالأبواب العالية مصطفى بن محمد الشهير باسبانخجي فلما وصل إلى دمشق بالأوامر والأموال وذلك في سنة أربع وسبعين ومائة والف نزل كافل دمشق الوزير عبد الله باشا المذكور إلى الجامع وحضر معه قاضي قضاتها إذ ذاك المولى ساطع علي بن مصطفى ختن علمي أحمد أفندي ومفتي الحنفية بدمشق ومتولي أوقاف الجامع المزبور المولى العلامة شيخ الإسلام علي بن محمد المرادي النقشبندي وبقية أعيان