مجله المقتبس (صفحة 4500)

والبرد فتجلدت المياه وكانت تذوب صيفاً فيتكون منها أنهر جليدية تكسح في طريقها الشواخص وتخدد المطمئنات حاملة الأوحال إلى أبعاد سحيقة وجارفة الصخور تسحل بها وجه الأرض. فنجم عن ذلك النواتيء الصخرية والرواسب الترابية في السهول كما نشاهده اليوم. ويقدر العلماء أن عمق الجليد في الدور المذكور المسمى بالجليدي أيضاً بلغ في جهات اسكندينافيا نحواً من ستة آلاف قدم. وجعل يقل شيئاً فشيئاً في الجنوب حتى محاذاة إنكلترا ولكنه لم يبلغ قط جنوبيها كما ظهر من تحليل تربة الأنهر الجليدية عند لندن.

والغريب أنه كان يتخلل هذا الدور القارس مدد معتدلة الهواء تدل عليها بقايا الأشجار الحيوانات المتحجرة. فتقلبات كهذه لا يمكن تصورها كما هي حقيقة لعدم وجود مماثل لها في عصرنا الثابت أو القليل التغيرات.

زمن سكنى الكهوف - حدثت في القرن السادس عشر أن عني أهل أوربا بالبحث عن قرن الكركدن القديم المعروف بوحيد القرن لاعتقاد عامتهم أن لهذه القرون خاصة الشفاء من كثير من الأمراض فجر البحث عنه ذلك إلى اكتشاف كثير من الكهوف والمغاور التي كان يسكنها الإنسان. ووجد فيها من الآنية والأدوات الظرانية ما يكفي للدلالة على نوع معيشة الإنسان في أواسط العصر الحجري. إلا أن هذه الأبحاث لم تأخذ وجهة علمية إلا منذ نحو قرن حين عثر على مغاور الضباع الهائلة التي كانت تفترس المموث وفرس البحر. وكان المظنون أن هذه الآثار سابقة لظهور الإنسان غير أهم اكتشفوا بعد ذلك كهف كنت وهو من هذا النوع فوجدوا فيه آثار الإنسان وآثار وهذه الحيوانات المنقرضة جنباً إلى جنب فعلوا أن الإنسان كان معاصراً لها وقد ارتقى شيئاً فشيئاً يشبه بعض متوحشي أوستراليا اليوم. ولكنه أرقى من متوحشي جزائر صندويج لأنهم اكتشفوا على نقوش ورسوم رسمها على العظام تشهد له بالتفوق حتى على بعض منحطي أهل زماننا.

وإني شهدت رسم الوعل والمموث وغيره منقولاً عنه عظام محفوظة في متحف بريطانيا فدهشت لدقة صنعها وإتقان رسمها إتقاناً تقتضي له حنكة ورياضة وارتقاءٌ عقلي مما لا يمكن أن يتم إلا بعد عصور عديدة من التقدم التدريجي. ويتصف هذا الزمان بكثرة الأوهام حتى أن لمعظم أوهام أوربا علاقة بسكان الكهوف.

زمن الظران المصقول - بعد أن مضى على الإنسان ردح من الدهر وهو يستعمل الآلات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015