مجله المقتبس (صفحة 441)

والخطاب عاد حب لغات الأعاجم فاستحكم من النفوس خصوصاً بعد أن أيقن كثيرون من أهل الفئة التي هي أجرأ السوريين على الهجرة للاتجار والكسب أن العربية لا يأتي تعلمها بمال يعود على صاحبه بالرفاهية فلا تنفع في الماديات نفع اللغات الأوربية لهم في ذلك. اللهم إلا تلك الفئة الفاضلة من كتاب السوريين في أميركا ممن أنشأوا الصحف وأخذوا يسعون جهدهم في بث ملكة اللسان العربي بين المهاجرين في مهاجره كما يعنى مهاجرة الألمان في الاحتفاظ بلغتهم في وسط بلاد الولايات المتحدة. قلت أن ملكة العربية ضعفت في بلاد الشام ويكفي أنك تجتاز البلد والبلدين ولا تجد من يحسن الكتابة والقراءة بلا غلط بل أنك لتستقرئ حال المائة ألف نسمة في حواضر مدن الشام ولا تجد فيها خمسة يكتبون على وجه الصحة. وهكذا الحال في العراق ونجد والحجاز واليمن. وللشعر في هذه الأقطار الأخيرة أثر من الآثار القديمة أكثر من النثر ولا عبرة بالأفراد فهم لا يتجاوزون عدد الأنامل في هاتيك الديار التي كان يعد رجالها بالمئات في العصور السالفة. والأفراد ليسوا معياراً في هذا الباب.

ومن أهل الأقطار التي يعنى أهلها بالعربية على عجمتهم مسلمو قافقاسيا والهند فإن تدريس العربية في مدارسهم وكتاتيبهم شائع كل الشيوع وهم معتقدون أن في تعلمها تعلم الدين. من أجل هذا رأينا كثيرين من أهل النهضة فيهم في العهد الأخير طافوا بلاد الشرق العربي للبحث عن طريقة سهلة تمكن ناشئتهم من إحكام العربية في أقرب مدة ومن أيسر السبل ولما يئس بعضهم من وجود بعض أفراد توفرت فيهم هذه الشروط من أبناء جامعتهم ليغنوا الغناء المطلوب عمدوا إلى اختيار أساتذة هم في الأصل أعاجم على نحو ما فعلت كلية عليكدة في الهند وأقامت إنكليزياً يعلم العربية على طريقة اللغات الأوربية تسهيلاً على المتعلمين من أبنائها.

وحال القطر التونسي فيما أرى من إحكام ملكة العربية حال سورية حذو القذة بالقذة ولعل الناشئة المتمكنة من آداب القوم يكثر عددها فيعملون وجرائدهم ومجلاتهم وجمعياتهم على النظر في ترقيتها بينهم أما الجزائر ومراكش فما أخالهما يعرفان من العربية إلا بقدر ما يعرف منها أهل مالطة أو أكثر بقليل. دع أهالي شنقيط فإنهم أعظم أهل الأرض عناية بالعربية وحفظاً لدواوين شعرائها وخطبائها فقد تجد الطفلة تحفظ من أسفار الأدب ما لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015