مجله المقتبس (صفحة 440)

أقول هذا وأنا على يقين من أن لغة القرآن قد خدمها علماء المشرقيات من الغربيين أكثر من خدمة خاصتها ورؤساء حكوماتها لها فطبعوا لها من نفائس الكتب وأمهاتها وأقاموا لها محافل ودروساً وسافروا في تعلمها وبذلوا في سبيلها البذول منذ وجهوا وجهتهم قبل المدنية الإسلامية حتى أن أول الكتب التي طبعت بعد اختراع الطباعة في القرن الخامس عشر للميلاد كانت كتباً عربية من مؤلفات ابن شينا والرازي وابن رشد وغيرهم من فلاسفة الإسلام. ودامت تلك الروح تسري في جسم الحضارة الغربية حتى صار اليوم من علمائهم المختصين بدراسة لغتنا من يحسنون التكلم والتأليف فيها إحسان خاصتنا لها رأيت منهم الأميركي والإنكليزي والألماني والفرنسي والنمساوي والأسوجي والهولندي والروسي وكلهم محل الدهشة والاستغراب وشهدت من حميتهم وغيرتهم على لغة القرآن ما لا أجد بعضه عند كثيرين من خاصتنا.

وليس في أهل الإسلام اليوم مثل أهل فارس عناية بالعربية وآدابها لأنهم لم ينسوا فيما احسب أن تعلمها من الدين وأن من ناهضها ووضع السدود في سبيل سيرها فكأنما ناهض الدين وعاق دعوته عن الانبعاث ولذلك كان تعلمها عندهم على حصة موفورة. وقد يجيد متعلمهم فهمها وكتابتها إجادة العربي القح. ولا عجب فللفرس في تاريخ النهضة الإسلامية القديمة أثر مشكور على غابر الدهور.

ومع أن التعليم في مصر غداً إنكليزياً والأساس الذي قامت عليه نهضة العربية في أوائل القرن الماضي ترك وبني على غيره لا تزال العربية بالنظر لوحدة اللغة في القطر ولما وقر في النفوس من أن الأزهر أعظم مدارس الإسلام في الأرض وأن فيه جهابذة علماء ولما ينفخه فيها نوابغ البلاد المهاجرين إليها - مع كل هذا لا تزال مصر موطن العربية من هذا الشرق العربي وفيها تصدر أهم المطبوعات والصحف العربية. لا يبعد أن يكون لها شأن غير شأنها الحاضر في المستقبل القريب وإن قل تخرج النوابغ من أبنائها وإحكامهم ملكة اللسان العربي الإحكام الذي يسهل عليهم التأليف والإنشاء والخطابة وقرض الشعر والتمييز بين صحيح الكلام وفاسده.

وكانت قويت ملكة العربية في سورية بما قام في بيروت من المدارس الكبرى منذ أربعين سنة ولما استبدلت تلك المدارس اللغات الإفرنجية باللغة العربية وجعلوها لغة التدريس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015