عهد للخاصي به عندنا ولكن نظرهم في الأدب والشعر نظر مجرد لا محل للعمل فيه. وهناك بلا إسلامية كزنجبار ورأس الرجاء وجاوه وبعض مدن الصين وأفغانستان وبخاري فإنها ضعيفة في عربيتها ضعف الترك فيها.
وبعد فإن من رأى توفر الغربيين على دراسة العربية يكاد يوقن بأن هذه اللغة لا تحيا إلا على أيدي هؤلاء الإفرنج فقد جعلوا لها المقام الأول بين اللغات الشرقية ولم يحسبوها من اللغات الميتة وأحيوا من مآثر الأسلاف ما يبيض الوجوه وينعي على الإخلاف وناءهم وتقاعسهم.
وأقدر الأمم الغربية على تلقف العربية فيما أحسب الشعب الجرماني فإن فيه رجالاً يلفظون ويكتبون على مثال كتاب العرب أنفسهم ويليهم في باب العناية بها على ما أرى الإنكليز والأمريكان والنمساويون والفرنسيون والهولنديون والروسيون والطليان والأسبان. وكان الفرنسيين فيما مضى في مقدمة الأمم بالاشتغال بالعربية ولاسيما في عصر العالمين دي ساسي وكاترمير فأصبحوا اليوم في وسطها.
ولا يبعد إذا دام الفرنجة على تعهد هذا اللسان بطبع كتبه ودراسة أصوله وفروعه أن يهاجر أبناؤنا إلى بلادهم بعد ليتلقوه عنهم إذا دمنا على خمولنا وتخلفنا. ولولا بعض كتب قديمة تحيا بالطبع اليوم لقلنا بالنظر لما نراه من ندرة المطبوعات العربية العلمية أنه سيجيء يوم نأخذ فيه عن الإفرنج حتى أصول ديننا. ومن الأسف أن جماع ما ينشر من تآليفنا منذ سنين لا يتعدى الروايات والهزليات أما كتب الجد كالفلسفة والتاريخ والرياضة والطبيعة والاقتصاد والاجتماع فلا محل لها من الإعراب في جملة أعمالنا.
ولعل العربية في هذه الديار لا تمنى بما منيت به في سائر الأقطار فيكثر في أبنائها المتأدبون بآدابها وإن قل عدد النوابغ أي يعم تعلمها أكثر مما يخص. وعندي أن الرجاء معقود على الأكثر بالمجلات والجرائد إذا صرفت العناية بإنشائها واختيار موضوعاتها فهي هي المدرسة الكبرى للأمة وتأثيراتها متصلة باتصال صدورها وهي تبعث على المطالعة أكثر من الكتب. ومادام القرآن يتلى بلسان العرب فسيبقى أثر له في البلاد الإسلامية كافة وتضعف ملكته الحقيقية بضعف العمل به من دراسة آدابه.