والوسطى لم يقرب المطبوع منهما من هذا القدر وعلى ما بذلتاه من العناية ظلتا واقفتين. وجريدتا التيمس والستندارد اللتان بمركز أدبي راق كان يتأتى لهما زيادة المطبوع منهما لو صحت عزيمتهما عليه ولكنهما لم يريا حاجة ولا رغبة في ذلك فكانتا تتحكمان في إعلاناتهما بقدر ما تستطيعان ولم تجد حاجة للاستكثار من القراء أن تسرا مع الأذواق الجديدة أو تمسا مبدئيهما وخطتيهما وإذ كانت هاتان الجريدتان تصف حروفهما بالأيدي وتطبعان على عدة ورقات من 12 إلى 32 ورقة على ورق جيد قد يقع ثمنه قبل طبعه أغلى من القيمة التي يباع بها من الجمهور لم يكن أمامهما لكثرة المطبوع منهما إلا الإعلانات تتحكمان فيها تحكماً يسد به العجز في ميزانيتهما.
ولما ظهرت الصحف التي تباع بخمسة سنتيمات على ورق رخيص مطبوعة ومصفوفة بآلات كاملة اتجهت الصحافة وجهة ثانية وتعدل بها الرأي العام والسياسة البريطانية وتأثرت الصحف القديمة في منافسة الصحف الحديثة كل التأثر وكانت تميل إلى رأي المحافظين ويقرؤها أهل الطبقة العالية أو الوسطى بخلاف الجديدة التي كانت ذات آراء متقدمة وقراءة كثيرين من العامة وخلفت جريدة الديلي ميل جريدة الايكو فظهرت الصحف الحديثة في مظهر أحسن من مظهر القديمة حسنة التحرير وافرة الأخبار كالصحف القديمة فلم تلبث أن أحرزت ثقة السواد الأعظم وإيثارها لها واقتطعت ألوفاً من قراء منافسيها حتى عجزت كثيرات من هذه عن المقاومة فانقطعت عن الصدور واضطرت أخرى مثل الديلي نيوز والديلي كرونيل أن تتخذ الأساليب الجديدة وتعدل خطتها وتنزل أمانها فجددت بذلك شبابها وأظهرت الجرائد العظمية كالتيمس والستاندارد والمورنن بوست والغلوب شيئاً من العناد وأخذن يعشن بشهرتهن القديمة وثروتهن التالدة وذلك بفضل إخلاص قرائهن الدائم لهن ولكن التيمس والستاندارد وهما مثال التدقيق المفرط والتقاليد المجسمة عادتا فجذبتا الضرورات التجارية ومالتا إلى تكثير المطبوع من لإعدادهما والميل بصحيفتيهما نحو الديمقراطية في مظهرها وبالصحافة الرخيصة تسربت إلى الجمهور أفكار جديدة نبهته إلى الحياة السياسية وقوت عزيمته فصحت إرادته على الانتفاع بها فهبط نفوذ الإشراف والطبقات الوسطى القديمة وارتفع نفوذ الاشتراكية السياسية وتحطمت الأحزاب القديمة بحيث عجزت عن البقاء أو كادت ودعت الصحف الجديدة إلى معاضدة العملة وبالغت