مجله المقتبس (صفحة 4364)

الأمة الاقتصادية والأخلاقية وعلى درجة عقولها وضعفها وقوتها وإيغالها واسترسالها وعلوها ونزولها في سلم الاجتماع. وعلى كل جريدة أن ترضي الأميال لتحيا وتعيش وتخاطب عقل قرائها وما مجموع صحافة كل أمة إلا أثر من آثار ترقيها.

وما من مبحث أفيد وأعلق بالأذهان في هذا الشأن أكثر من الارتقاء الذي حدث في الصحافة الإنكليزية فإنها مثلت الأطماع والعظمة وكل ما فكرت فيه إنكلترا واهتزت. وصحافتها أسمى من صحافة منافسيها بما فيها من الحياة واتساع العمل وكمال الأسلوب وجلاء المبادئ التي تديرها والبحث فيها درس لا نظير له للمؤرخ والصحافي. ويرجع ارتقاء الصحافة الإنكليزية إلى أسباب عديدة منها ما هو آت من عنصر الإنكليز وعقله ومنها يرجع إلى ضرورات مادية حاضرة فالصحافة الإنكليزية لا تضاهيها صحافة مثلها بمعداتها وتنظيمها المادي المنقطع القرين وما مثلها صحافة تشخص على ما يجب روح بلادها وتؤثر مثل تأثيرها في الفكر العام والمصالح العامة ولم تبرح منذ قرن تدير دفة السياسة البريطانية وتوحي إليها الخطط الواجب ابتاعها وأن إنكلترا لمدينة بقيام ملكها ومجدها لرجال صحافتها لما تنبأوا به عن جرأة لمستقبل بلادهم ولما فطروا عليه من الوطنية العاقلة على نحو ما هي مدينة بجندها ورجال سياستها.

ولقد كانت منافسة صحافتها على شدتها تظل دائماً إلى الأدب شكلاً ومعنى وما قط عمدت إلى الابتذال لأنها لا تراه كذلك ولا ترى الشتائم حجة ففي كل حوار كانت تعرض الشيء ونقيضه بعدل يدهش كل من لا يعرف أخلاق الإنكليز السياسية. وقد اجتهدت الصحافة الإنكليزية زهاء قرن إلى عهد ظهور الصحف التجارية بأن وضعت نصب عينيها في كل حال المصلحة العامة قبل المصالح كلها. ومهما كان من حالة الأحزاب التي تنسب إليها جرائدهم فمديروها لا يبيعون جرائدهم من الحكومة فليس لحكومة إنكلترا نفقات سرية تصرفها للجرائد ولا في نظاراتها موظفون يعهد إليهم أن يعطوا الصحف إيضاحات فجرائدهم لا تنطق بلسان الحكومة ولا هي غير رسمية ولا نصف رسمية.

والفضل في ارتقاء صحافة إنكلترا رخص أسعارها وقبل صدور جريدة الديلي ميل منذ 14 سنة لم يكن في إنكلترا جريدة يزيد ما يطبع منها 250 ألف نسخة ولا تباع النسخة بأقل من عشرة سنتيمات. وجريدتا الديلي تلغراف ووالبال مال غازت وهما للطبقة العالية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015