إلى كثير من الأمم وتناولوا منها دمها حتى أن شعباً تركياً برمته اسمه الشازار قد دان باليهودية وانتشرت شريعة موسى في العالم وأدخلت في مجموعها من كل العناصر.
فالشعوب كالأفراد ليست كبيرة بأصولها التاريخية ولا معنى لاسمها وعددها ما دام الشك يتطرق إليهما والذي يهم في الأمم كنزها العقلي والأخلاقي وفضائلها الغيرية التي طبعت عليها أرواحهم ونور عقولهم الذي يطوف الأقطار والأمصار. وما من شعب يسمو على آخر وينحط عنه من حيث تركيبه بل أن هناك شعوباً تقل مدنيتها أو تكثر وتحسن المأتى أو لا تحسنه في جهاد الحياة والواجب على أمة تريد أن تمزج غيرها بها أن توجه عنايتها إلى أفكار الشعوب وتستميل أرواحهم. وما سعي روسيا في جعل جميع رعاياها روساً وسعي جرمانيا في جعل أهلها كذلك وسعي العثمانية في تتريك عناصرها وكل ما تعمد إليه هذه الدول من وسائل القضاء على القوميات إلا عقيمة باطلة فقد اضمحلت بوهيميا تحت السلطة النمساوية قروناً كثيرة وأخرج شعبها من عداد الأحياء ودثرت لغتها وآدابها ولكن الشعلة الضئيلة الوطنية بقيت حية تحت جبال من الرماد ولما سكنت العاصفة عاد التشك وأظهروا ذات يوم أنفسهم وعنصرهم ومقاومتهم للألمانية أكثر من ذي قبل. وجزيرة كريت الصغيرة الباسلة التعسة ستنضم عما قريب إلى يونان على الرغم من عناد الحكومة العثمانية (؟) وعمى رجال السياسة وكذلك الحال في بولونيا وفنلندا. وإن الاستيلاء على الشعوب استيلاءً وحشياً قد مضى وانقضى فالواجب استمالة القلوب واستتباع الأرواح وأن الأمل الذي يدفن في أعماق القلوب أقوى من طرقات المطارق على أجسامنا فالأمم تحيا ما دامت لا تريد أن تموت.
الصحافة الإنكليزية
زاد في الخمسين سنة الأخيرة نفوذ الصحافة اليومية وقوتها في المجتمعات الحديثة بحيث أصبحت إحدى الأدوات الهائلة التي ما قط استعلمت لخدمة المطامع والحاجات البشرية. فقد أصبحت السياسة والأعمال ونشر الأفكار العالية والدفاع عنها وخدمة المصالح المالية والاحتيال لها العضد العام والعامل الأكيد. فهي للمؤرخ الاجتماعي بانتشارها العجيب ودخولها يكثر في جميع أعمال الحياة الاجتماعية ذات فائدة قوية ومن تأمل آثار الصحافة في بلد وأسلوبها ومراميها يتأتى له أن يحكم حكماً معقولاً صحيحاً جداً على مميزات تلك