وأما أن يجعل الفرع أصلاً ويرد النص إليه بالتكلف والتحيل ويحمل على أبعد المحامل بلطافة الوهم وسعة التخيل ويرتكب في تقرير الآراء الصعب والذلول ويحتمل من التأويلات ما تنفر منه النفوس وتستنكره العقول فذلك عندنا من أردء مذهب وأسوء طريقة ولا نعتقد أنه يحصل معه النصيحة للدين على الحقيقة وكيف يقع أمر مع رجحان منافيه وأنى يصح الوزن بميزان مال أحد الجانبين فيه ومتى ينصف حاكم ملكته غضبة العصبية وأين يقع الحق من خاطر أخذته العزة بالحمية إلخ.
الفتوى في أمر لم يقع
قال الإمام أبو شامة رحمه الله في كتابه (المؤمل في الرد إلى الأمر الأول) ما مثاله: كان الصحابة إذا نزلت بهم النازلة بحثوا عن حكم الله تعالى فيها من كتاب الله وسنة نبيه وكانوا يتدافعون الفتوى ويود كل منهم لو كفاه إياه غيره وكان جماعة منهم يكرهون الكلام في مسألة لم تقع ويقولون للسائل عنها: أكان ذلك: فإن قال لا قالوا: دعه حتى يقع ثم نجتهد فيه: كل ذلك يفعلونه خوفاً من الهجوم على ما لا علم لهم به واشتغالاً بما هو الأهم فإذا وقعت الواقعة لم يكن بد من النظر فيها.
قال الحافظ البيهقي: وقد كره بعض السلف للعوام المسألة عما لم يكن ولم يمض به كتاب ولا سنة وكرهوا للمسؤول الاجتهاد فيه قبل أن يقع لأن الاجتهاد إنما أبيح للضرورة ولا ضرورة قبل الواقعة وقد يتغير اجتهاده عند الواقعة فلا يغنيهم ما مضى من الاجتهاد واحتج في ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه: انتهى.
المواضع التي يجب فيها على المفتي المناظرة أو يستحب وشرح
فوائدها
قال حجة الإسلام الغزالي في المستصفى: المحصلون يعتقدون وجوب المناظرة لغرضين واستحبابها لسنة أغراض.
(أما الوجوب) ففي موضعين (أحدهما) أنه يجوز أن يكون في المسألة دليل قاطع من نص أو ما في معنى النص أو دليل عقلي قاطع فيما يتنازع فيه في تحقيق مناط الحكم ولو عثر عليه لامتنع الظن والاجتهاد فعليه المباحثة والمناظرة حتى ينكشف انتفاء القاطع الذي يأثم