ويعصى - المجتهد - بالغفلة عنه (الثاني) أن يتعارض عنده دليلان ويعسر عليه الترجيح فيستعين بالمباحثة على طلب الترجيح فإنا وإن قلنا على رأي أنه يتخير فإنما يتخير إذا حصل اليأس عن طلب الترجيح وإنما يحصل اليأس بكثرة المباحثة.
(وأما الندب) ففي مواضع (الأول) أن يعتقد فيه أنه معاند فيما يقوله غير معتقد له وأنه إنما يخالف حسداً أوعناداً أو نكراً فيناظر ليزيل عنهم معصية سوء الظن ويبين أنه يقوله عن اعتقاد واجتهاد (الثاني) أن ينسب إلى الخطاء وأنه قد خالف دليلاً قاطعاً فيعلم جهلهم فيناظر ليزيل عنهم الجهل كما أزال في الأول معصية التهمة (الثالث) أن ينبه الخصم على طريقه في الاجتهاد حتى إذا فسد ما عنده لم يتوقف ولم يتخير وكان طريقه عند عتيداً يرجع إليه إذا فسد ما عنده وتغير فيه ظنه (الرابع) أن يعتقد أن مذهبه أثقل وأشد وهو لذلك أفضل وأجزل ثواباً فيسعى في استجرار الخصم من الفاضل إلى الأفضل ومن الحق إلى الأحق (الخامس) أنه يفيد المستمعين معرفة طرق الاجتهاد ويذلل لهم مسلكه ويحرك دواعيهم إلى نيل رتبة الاجتهاد ويهديهم إلى طريقه فيكون كالمعاونة على الطاعات والترغيب في القربات (السادس) وهو الأهم أن يستفيد هو وخصمه تذليل طرق النظر في الدليل حتى يترقى من الظنيات إلى ما الحق فيه واحد من الأصول فيحصل بالمناظرة نوع من الارتياض وتشحيذ الخاطر وتقوية المنة في طلب الحقائق ليترقى به إلى نظر هو فرض عينه إن لم يكن في البلد من يقوم به أو كان قد وقع الشك في أصل من الأصول أو إلى ما هو فرض على الكفاية إذ لا بد في كل بلد من عالم مليء بكشف معضلات أصول الدين وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب متعين إن لم يكن إليه طريق سواه وإن كان إليه طريق سواه فيكون هو إحدى خصال الواجب فهذا في بعض الصور يلتحق بالمناظرة الواجبة.
فهذه فوائد مناظرات المحصلين وهو من أحسن ما كتب فيها وبه يعلم أن الدخول في المناظرة إنما هو للمجتهد وقد صرح به حجة الإسلام عليه الرحمة أيضاً في بحث آداب المناظرة من كتاب العلم في الأحياء وأما المقلد فقد قال عليه الرحمة في كتابه فيصل التفرقة: إن شرط المقلد أن يسكت ويسكت عنه: في كلام بديع ينبغي مراجعته وما ألطف قول ابن سهل: فما أضيع البرهان عند المقلد والله أعلم.