وكذلك بحديث إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وأن أخطأ فله أجر فدل أن فيه خطأ وصواباً.
وقد أجيب عن الحديث الأول بما حكاه العلامة الشوكاني في نيل الأوطار قال وقد قيل أن هذا الحديث لا ينتهض للاستدلال به على أن ليس كل مجتهد مصيباً لأن ذلك كان في زمن النبي والأحكام الشرعية إذ ذاك لا تزال تنزل وينسخ بعضها بعضاً ويخصص بعضها ببعض فلا يؤمن أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم حكم خلاف الحكم الذي قد عرفه الناس:
وأجاب الإمام الغزالي في المستصفى عن الحديث الثاني بقوله والجواب من وجهين الأول أن هذا هو القاطع على أن كل واحد مصيب إذ له أجر وإلا فالمخطئ الحاكم بغير حكم الله تعالى كيف يستحق الأجر (الثاني) هو أنا لا ننكر إطلاق اسم الخطأ على سبيل الإضافة إلى مطلوبه لا إلى ما وجب عليه فإن الحاكم يطلب رد المال إلى مستحقه وقد يخطئ ذلك فيكون مخطئاً فيما طلبه مصيباً فيما هو حكم الله تعالى عليه وهو اتباع ما غلب على ظنه من صدق الشهود وكذلك كل من اجتهد في القبلة يقال أخطأ أي أخطأ ما طلبه ولم يجب عليه الوصول إلى مطلوبه بل الواجب استقبال جهة يظن أن مطلوبه فيها (ثم قال) فإن قيل ولم كان للمصيب أجران وهما في التكليف وأداء ما كلفا سواء قلنا لقضاء الله تعالى وقدره وإرادته فإنه لو جعل للمخطئ أجرين لكان له ذلك وله أن يضاعف الأجر على أخف العملين لأن ذلك منه تفضل ثم السبب فيه أنه أدى ما كلف وحكم بالنص إذ بلغه والآخر حرم الحكم بالنص إذ لم يبلغه ولم يكلف إصابته لعجزه ففاته فضل التكليف والامتثال.
والبحث جدير بالعناية وقد جوده حجة الإسلام الغزالي في المستصفى فارجع إليه
الحذر من رد النص بالتأويل
قال الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد من أئمة الشافعية: إن الفقه في الدين منزلة لا يخفى شرفها وعلاها ولا تحتجب عن العقول طوالعها وأضواها وأرفعها بعد فهم كتاب الله المنزل البحث عن معاني حديث نبيه المرسل إذ بذاك تثبت القواعد ويستقر الأساس وعنه يقوم الإجماع ويصدر القياس لكن شرط ذلك عندنا أن يحفظ هذا النظام ويجعل الرأي هو المأموم والنص هو الإمام وترد المذاهب إليه وترد الآراء المنتشرة حتى تقف بين يديه.