في عمره إلى الوراء وأنه سيعمر طويلاً بعد، كل هذا نشأ من تدقيقه في تلك القواعد الخمس التي سنها ومبالغته في الاحتفاظ بها والجري عليها وأخذ يقلل من كمية غذائه بدون أن يقتصر منها على ما يسهل هضمه وخضمه كما يفعل بعض من يمتنعون عن اللحوم ويكتفون بالبقول وأن يمتنع عن المشروبات الروحية امتناع الزهاد بل كان ينتفع بما يدخل جوفه ويتخذ أسباب حسن الهضم فيما يأكل ويشرب فلا يدخل بلعومه غذاءً إلا إذا أجاد لوكه جيداً، ولم يكتف فلتشر بما وصل إليه من هذه التجارب الصحية النافعة بل أراد أن يعم استعمال هذه الطريقة فكتب ما جرى له في الجرائد والمجلات ونشره في كراريس وزعها بلا ثمن على قومه فضحكوا منها بادئ الرأي إلا أن علماء الصحة اضطروا بعد حين إلى إمعان النظر فيما أتاه الرجل وجربوا بأنفسهم طريقته فأسفرت لهم عن نجاح وأوصى الناس بها حتى صار أشياع المذهب الفلتشري اليوم يعدون بالملايين في الغرب.
وقد تبع فلتشر في طريقته الأستاذ باولو الروسي منذ سبع سنين فتبين له أن التغذية الحسنة متوقفة على الشهوة إلى الطعام وهذه هي الباعث الأقوى على هضمه والانتفاع به في الجسم فالجوع يحبب إلى النفوس الأطعمة على اختلاف ضروبها والأطعمة لا تفيد إلا إذا رغبت فيها النفس، ولا يحسن ما على المائدة من الصحاف وينفع المتناول منها إلا إذا كان هذا في فراغ من الذهن يمكنه من تقدير الألوان حق قدرها، فسرور المواكلين وطيب الأحاديث من العوامل النافعة في الهضم، والسرور على الخوان لا ينشأ من إجادة الطبخ والتنطع في اختيار الألوان بل بما يبدو على وجوه المجتمعين على الطعام من الابتسام.
ومعلوم أنه يقتضي للجسم لتجديد الأنسجة وتوليد الحرارة الحيوانية اللازمة كل يوم لحفظ مرونته والقيام بوظائفه التنفسية كمية محدودة من المواد الدهنية والزلالية وعلماء الصحة والأجسام والأعضاء على اختلاف منهم في ذلك فمنهم من يقول بالإقلال من تناول اللحوم والاقتصار على البقول والألبان والثمار والبيض والأرز والزبدة ومنهم من يرى تناول اللحوم ضرورية لكل عامل يعمل بعضلاته والحقيقة أن التوسط في الأمر خير وأبقى، فالإكثار من اللحوم يسمم الجسم وربما حدثت منه في كثير من الأحوال مضار في الصحة منبهة القوة العصبية ومنهكة قوى الكبد والكلى وعلى العكس في تناول البقول فإن الاقتصار عليها يؤدي إلى اضطرابات هاضمة من شأنها أن تحدث ضرراً في المعدة وعليها فأكل