الارتقاء فتغلبت على الأمراض السارية، فالغشاء الذي كان يصيب حنجرة الطفل المصاب بالخناق كان فيما مضى يودي بحياته وهو اليوم لا يزعج الجراح لما فيه من وسائط الشفاء العاجل بفضل الحقن تحت الجلد بمصل الخناق وغير ذلك من التدابير ويقل اليوم المصابون بالحمى التيفوئيدية والقرمزية وذات الجنب أكثر من الزمن السالف والسل يعالج بوسائط تظهر نتائجها الحسنة اليوم بعد اليوم والتهاب السحايا الدماغي الشوكي قد قل عدد الهالكين من المصابين به عن خمس أو ست سنين إلى ثلاثة أرباع، وقد تغلبت الوسائط التحفظية والطبيعية في مقاومتها لأنواع الفساد البكتيري فظهرت بها نتائج مؤثرة بحيث تمكنت بالتدريج لإفراز السميات المرضية المسببة للحمى.
ومع هذا فإن بعض المتشائمين من الأميركيين قد نشروا هذه الأيام مفكرة تبعث على القلق حسبوا فيها معدل عدد الوفيات في الولايات المتحدة وغيرها من بلاد العالم الجديد والقديم وحققوا أسباب الوفاة فصرحوا بأن الأرقام التي يستشهد بها في دعوى طول الحياة ليست صحيحة إذ يقتصر فيها على إحصائيات الأولاد فقط لأن هؤلاء يبلغون في الواقع سن الفتوة ولكن الاضطرابات التي تبدو في تراكيبهم في سن الشباب تظهر مؤثراتها في الحال، فالمشاهد يدل الآن على أن الأولاد تقل الوفيات فيهم ولكن من بلغوا من الرجال سن الشيخوخة قلائل.
ومن رأي الأستاذ فيشر في نيويورك أنه يندر وجود أشخاص هم في مأمن من الأوجاع المهلكة مثل النقرس والرثية الروماتيزم وسوء الهضم والبول السكري ومرض برايت والزائدة الدودية قال أن الرجال والنساء عرضة لعوادي الأعداء المستترين على اختلاف في الدرجات فالحياة بالنسبة إلى كل واحد منهم ليست في الحقيقة طويلة بل هي متسعة ومعنى ذلك أن الرفاهية التي تحيط بالحياة تقصر حبلها، ومن جملة تلك السعة في الرفاهية التغيير الذي طرأ على الطعام فإن الناس بالغوا في التأنق فيه حتى أنهم ليقتلون أنفسهم وهم لا يشعرون، وقد بلغ من هذه التبدلات أنك لا تجد امرءاً حتى في العيال المستورة يقنع بالإقلال من الطعام على النحو الذي كانوا عليه فيما غبر، فنشأ من هذا التفنن في الطعام اضطرابات عضوية لا يحتاط لها بل يسعى الناس إلى زيادة شرورها مختارين، فالناس يكثرون من تناول الأطعمة وكثيراً ما يفرطون ويبحثون عن الأطعمة المحضرة أنواع