له وأن خير عادة يعودها الطفل أن لا يعود أمراً ما حتى ولا الأكل والشرب ولا النوم في ساعات معينة بل أن يعد للاستمتاع بحريته وأنت تلاحظه من بعيد كما تلاحظه في استعمال قواه تاركاً لجسمه العادة الطبيعية وأن يكون أبداً مالك قياد نفسه وأن ترى إرادته عندما يكون مالكاً لها قال والعادة الوحيدة النافعة للأولاد هو أن يستعبدوا لضرورة الأشياء بدون عناء والعادة الوحيدة النافعة للرجال هو الاستعباد للعقل بدون كبير أمر. ومثل لذلك بالنبات الذي تثنيه وتكرهه عَلَى ميل خاص فلا يلبث أن يعود إلى أصله إذا أطرحته من يدك.
وقواعده هذه تنطبق عَلَى التربية بل هي قواعد التربية بذاتها إذ لا فرق بين التربية والعادة وما التربية إلا العادة فمن ثم كانت التربية تربيتين تربية ظاهرة مؤقتة وتربية حقيقية دائمة فالأولى هي التي تقاوم الطبيعة والثانية هي التي توحي إليها الطبيعة ولا تعمل إلا عَلَى ترقيتها وموافقة قانونها ولذا قال روسو أن من النسا من ينسبون تربيتهم أو يضيعونها ومنهم من يحتفظون بها. عَلَى أن الابتعاد عن الفطرة ما ينافي العقل فالحكمة تقضي بأن نعمل مع الطبيعة ولأجلها وكل تربية لا تجري عَلَى هذا النظام لا تكون عبئاً ثقيلاً فقط بل تكون عبثاً لا نتيجة لها. ومن الباطل أن نعتقد أن مخالفة الطبيعة في التربية تعني غناءها وما هي إلا ظواهر فإن معظم العادات كما قال روسو التي تعتقد أنك تلقنها الأولاد ليست عادات حقيقية لأنهم أخذوا بها بالعنف وجروا عليها عَلَى غير إرادتهم فهم يتوقعون الفرص لينزعوا ربقتها. وقوله هذا صحيح لا غبار عليه فإن بدريتو الذي أخذ وهو طفل من محيطه المتوحش وربي التربية الأوربية الدقيقة تخلى يوم خلا له الجو ونجا من أيدي مدبريه عن عيش الرفاهية الظريف وراح يعود بين أهله إلى عيش الكسل والعطالة والشقاء التي قادته إليها ميوله الإرثية ولم يعد قط إلى حالته الثانية. وكذلك كان من حال الصيني الذي تزوج من امرأة فرنسوية وأخذه معها إلى بلاده فلما بلغها أخذ ينظر إلى زوجه بأنها غير مساوية له وانقطع عن معاملتها معاملة متمدنة. وبهذا تبين أن التربية ليست غالباً إلا طلاء يزول لأقل عارض. وقد قال الفيلسوف ريبو أيضاً أن الطبيعة لا تعاند وإن للإرث والميول الطبيعية دخلاً كبيراً في التربية. ومن رأي روسو أن العادة لا يمكن إلا أن تكون منطبقة عَلَى الطبيعة.