وقالت العقيلة نكرسوسور التي ناقضت روسو في نظرياته وجعلت للعادات في التربية الشأن الذي أراد روسو أن يسلخه عنها أن الولد ليس إلا كائناً لدناً رخيصاً قابلاً للتحول مستعداً إلى التطبع بالعادات يتناول ذلك عَلَى أيسر وجه بدون نكير وليس في العادات عائق عادي يخدر قواه بل إن الاتفاق يتم أبداً بين الخلق والعادات وكلما كان الولد فتياً في السن انبعثت عاداته من أخلاقه ومن نفسه. وبالجملة فإنه يحصل للولد ذوق في العادات التي يعتادها فيقع استحسانه عَلَى ما يراه. قالت إنها رأت طفلاً في الشهر التاسع من عمره يبكي بكاءً شديداً ويأبى أن يتناول غذاؤه لأن الفنجان والصحفة الملعقة لم تكن موضوعة في محلها التي جرت العادة أن توضع فيه. فاستدلت بذلك عَلَى أن ذوق النظام كان بذرة في الطفل فالواجب عَلَى المربي أن يربيه ويقويه وهكذا تجد ذوق النظافة والحياة فطرية في الإنسان قالت إنها شاهدة طفلة في الشهر الثامن عشر من سنها تبكي إذا مس أحد مقطف مربيتها في النزهة وقد رأت هذه الطفلة امرأة مجهولة دخلت ذات يوم وسرقت من البيت قفطان والدتها فأخت تصيح صياحاً هائلاً. ومن هذا يستنتج أن العادة ليست في الأصل عارضية دخيلة فينا بل إنها تدخل وتنساب في حياتنا بقدر ما تصادف من الائتلاف وتنبهه فينا من الشعور ويتفق مع إرادتنا وهكذا هي مادة من شخصيتنا ولكن تلك العادات لا يجب أن تخرج عن الطبيعية فلا تتمازج وإياها كما يتمازج قلبان كأنهما تراضعا لبناً واحداً ويتعلق المرء بالعادة مختاراً لا مضطراً فتظل عاداتنا كما كانت في الأصل بهجة وظرفاً لا سلسلة وقيداً ليكون لسان حال كل امرئٍ أن عبوديتي حلوة وعبئي غير ثقيل. نعم يعتاد الأمور وهي محببة إليه ولا يعتادها متكارهاً.
ولقد كان القدماء ينظرون إلى التربية بأنها تدريب مدقق شديد أو تجريب عَلَى أسلوب تام ولنهم يشفعون تربية الجسم بتربية الروح فلم يكونوا يكتفون بتربية العضلات بل كانوا يلقنون المربى العبادة واحترام القوة ويرون أن التدريب أو العادة ليس بشيء إذا لم تظهر بأنها ترجمان للروح.
قال الكاتب الفرنسوي الذي احتذينا عن مبحث له هذه النبذة: وطريقتنا في التربية هو أن لا ننظر إلى العادة والخلق موجودة بذاتها ومستقلة بنفسها بل أن نعتبرها بأن أحدهما يقوم بصاحبه وهو متمم له.