مجله المقتبس (صفحة 3639)

ليست متشاكلة والاختلاف بين ابن الأدب الفلاح والأول ينهك عقله والآخر يتعب عضلاته يختلفان بتركيبهما الطبيعي كالاختلاف المشاهد بين فرنسوي وألماني وإنكليزي وهولاندي وربما كان أكثر.

إذاً فما هو المزاج؟ الظاهر أنه يصعب ضبطه وتحديده ولا يتأتى تعيينه إلا بالفكر فيحدد لا بما هو فيه بل بما يمكن أن يستحيل إليه. ولقد نظر المشرعون والحكماء في القديم إلى التربية بأنها تدريب منظم تام لا تختل قواعده ولا يضل قاصده وعلى أيدي القدماء تحققت الأعاجيب التي تنشأ من التربية كالجندي والوطني والإنسان الذي يقصد إلى غاية كالدفاع والعظمة ومجد البلاد ولا يعيش الطامح إليها إلا لأجلها ولا يستنشق الهواء إلا لتحقيق أمنيته منها وبلوغ أربه. ولقد كان المثال البديع الذي ظهر من تربية الجندي الإسبارطي خير مثال تحدثه الأمم فأعجب تدربه القدماء والمحدثون وحق لهم أن يعجبوا لا لما تم عَلَى يديه بل لما بدا فيه من تأثير التربية أو تدريب الإنسان بالإنسان وهكذا دربت رومية رجال شحنتها. وفي إسبارطة ورومية يجب عَلَى الأخلاقي أن يفكر في تأثير التربية لأن هذه التربية لم تظهر قط بأعظم من مظاهرها في تينك العاصمتين ولم يمتد سلطانها حتى ولا في عهد اليسوعيين الذين كانوا يعجبون بما يتم عَلَى أيديهم من جعل أعضاء رهبنتهم عبيداً خاضعين وأدوات تامة.

نعم فعلت التربية فعلها حتى أخرجت المرء عن طبيعته الأصلية وعدلت في مزاجه حتى اشتهى الفيلسوف ميستر ذات يوم أن يرى الإنسان في نفسه أو عَلَى فطرته فقال أنه رأى فرنسياً وإنكليزياً وإيطاليين وروسيين ولكنه لم يوفق إلى رؤية الإنسان المجرد العام بل رأى الإنسان بحسب المحيط والتعليم والتربية المكتسبة والمزاج ولكن إذا كان الإنسان الحقيقي هو محصول التربية ومجموع العادات وإذا كان أبداً ابن الأحوال الطارئة عليه والعادات والمناخ والقوانين ألا يجب أن يقال بأنه ليس له خلق خاص وأن شخصيته تضمحل بما يعدو عليها. فالظاهر أننا لا ننظر للشخصية إلا عند مقاومتها للتربية ونراها مباينة بتعريفها للمؤثرات التي تؤثر فيها.

ترجع التربية إلى العادة وهنا انقسم علماء التربية إلى قسمين فمن قائل بتأثير العادة ومن قائل بعدمها. فزعم روسو بأن للتربية دخلاً قليلاً في إعداد الإنسان قائلاً أن التربية استعباد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015