العامة من الناس_وهم تسعة أعشارهم بل يزيدون_في أودية من الحيرة يهيمون وفي ظلمات من التردد والشك يخبطون لا يرون لأنفسهم مما ألقوهم في مهاوية مخرجاً ولا هم يهتدون.
رويدك أيها العصر عصر الحضارة والنور. وعلى رسلكم يا معاشر العلماء. أرباب الحصافة والذكاء. وحنانيكم يا من أكثروا من العمق والتبحر. واسترسلوا في الاستقراء والاستنتاج. وبحثوا في الجراثيم والذرات. وتكلموا عن الحويصلات والنقاعيات. وبرهنوا على كون السديم أصل الكائنات. والإنسان سليل من نوع القردة أو ما يشاكلها من ذوات الفقرات. ورحماكم يا أصحاب دارون وأولياء سبنسر وأشياع بخنر وتلامذة هكل وإن كان فيكم فيلسوف كفرشيما وحكيم وادي الفريكة ومتهوسو وادي النيل إننا أيم الله لسنا من يقف في سبيلكم فيما تستوحون أسراره من الأحكام والنواميس وتحاولون إجلاءه من الغوامض والمشكلات أخذاً عما تلقيه عليكم الطبيعة أمكم وأمنا من الدروس والأمثولات طبقاً لما تبعثكم إليه ميولكم وأهواؤكم. ولكن لنا كلمة نقولها الآن لكم بعد إذ كنا نتداولها بيننا همساً ونهجس بها سراً فإن أصختم إليها سمعاً واستوعيتم لها قلوباً وجربتم بمقتضاها بعد اليوم عددناكم كراماً وقلنا سلاماً وإلا فما على من استحكمت الأيبوخاندريا في معدته واستولت السوداء على دماغه من سبيل.
ليس من ينكر أن المصلح العاقل من هدى بعلمه لا من ضل. ومن أراح لا من أتعب فيا حبذا_يا أصحابنا_الجهالة أنها خير من هذه المعرفة الناقصة التي تعجلتم بها إلى نقض الأديان وتقويض أركان العقائد وتمتين دعائم التعطيل والجحود قبل أن تنضج آراؤكم وتجمعوا على ما إليه ترمون وعليه تتهافتون من بث بذور الكفر في القلوب وتعبدكم للطبيعة التي أصبحتم لكثرة دراستكم لها ومزاولتكم علومها أعلق بها من جنود بونابرت بمدافعهم أولئك الذين كانوا لكثرة اصطحابهم لها وتهوسهم باستعمالها والاحتفاظ بها يسمونها بأحب السماء إليهم ويعانقونها ويقبلونها كأنها من الغانيات الفاتنات وكذلك أنتم الآن فإن توفركم على تلك الدراسة وانصرافكم إلى استحياء دقائق الهيولى مستحكين الصامت من قواها وعناصرها غير منكفين عن مناغاتها ومباغمتها أناء الليل وأطراف النهار وقد استهواكم واستدرجا بكم إلى تأليه هذه المادة الجامدة حتى صرتم تحسبونها كل شيء أو