في الآراء واختلاف ببعض الفروع.
فالظاهر أن الاعتراف بوجود أرواح يتوقع شرها كالإقرار بوجود آلهة يرجى خيرها إنما هو من مقتضيات هذا الكيان الإنساني لا محيد عنه لكل ذي لسان ناطق يرشده العقل إلى أنه من أهل الخلود وأنه ضيف مجتاز في حكم هذا الوجود وإلا فما بال الأمم على تباعد أنحائها واختلاف آرائها وتغاير مذاهبها وتناقض مشاربها تجمع على هذا الأمر اجتماعاً باتاً كأن أفرادها متواطئون عليه_منذ كانوا في عالم الغيب_فكلهم يقول بإله يثيب وشيطان يكيد وجن تخيف ونفس بين ذلك تتنازعها عوامل اليأس والرجاء ويبدو لها أنها بنت البقاء دون سائر ذوات الأرواح التي تقلها الغبراء وتظللها السماء وينعشها الهواء وإن كانت محاطة مثلهن بأسباب الزوال محكوماً على هيولاها المراكب بالانحلال وشخوصها المتحركة بالجمود ثم الفناء.
على هذا نشأت الناس وعلى هذا اجتازت عالمهم برزخي الحياة والموت ألوفاً مؤلفة من السنين قال بعضهم أنها عشرات الألوف وقال آخرون أنها ملايين حتى جاءنا الطبيعيون من متفلسفي هذا العصر_عصر الاكتشاف والاختراع_يجلسون على منصات القهارمة والأساطين وينشدون مع أبي نواس شاعر العباسيين:
ما جاءنا أحد يخبر أنه ... في جنة من مات أو في نار
ويقولون مع أبي العلاء:
ومهما عشت في دنياي هذي ... فما تخليك من قمر وشمس
* * *
تحطمنا الأيام حتى كأننا ... زجاج ولكن لا يعادله سبكُ
وأتنه لا شيء في هذا الكون غير هذه المادة التي يتعاورها التركيب والتحليل ويتداولها الدثور والتمثيل_مع بقاءٍ في الكم وتغيير في الكيف_وأن القول بما وراء المادة من قوة تدير الحركات وهي علة الموجودات منها استمد الناس أرواحاً سرمدية إنما هو من أوهام الواهيمن وتخليط فما نحن وسائر من يتحرك بالإرادة إلا من ماءٍ وطين ولا يحيينا ويميتنا إلا الدهر!!
فأين هذا من ذاك؟ وما هذا الانقلاب العجيب والانعكاس الغريب؟ وأية منفعة من قول جعل