عند غير العرب من أمم الشرق والغرب.
طالعنا في مجلة المقتبس الغراء ما حاكت بروده وطرزت بوده يراعة صديقنا الأبر الفاضل الشيخ جمال الدين القاسمي بقية أعلام دمشق عن اعتقاد العرب في الجن وما ورد في أسفار الدين وأشعار النابغين وأقاصيص السلف من الأحكام والنوادر والآثار الحاكية عنهم على وصفهم وأحوالهم فراقنا منها حسن التبويب ودقة النقل وبراعة اللهجة ووضوح المنهاج وسعة الاستيعاب إلى غير ذلك مما لا يستثكر في جانب ما هو مشهود من فضل الشيخ أعزه الله وحدانا الإعجاب بما هنالك إلى تحبير مقالة موجزة تكون لها كالتكملة تأتي على ما عند غير العرب من أمم الشرق والغرب من أمثال هذا الاعتقاد. وهو موضوع بكر لم يتسور جداره فيما نظن مفترع قبل ولم يحو حوله قلم شرقي على ما اتصلت إليه مطالعاتنا حتى اليوم.
ولقد بذلنا جهد المستطيع تنقيباً عن مواده المستترة في ثنايا الصحف والمبعثرة في زوايا المطولات وتخيراً للأصح من المصادر والأصدق من الروايات فجاءت مقالتنا_على ما نعهده بذاتنا من الضعف_طرفة يرغب فيها وأمنية يسعى إليها وما أحراها أن تكون مع رسالة الشيخ سفراً مستقلاًَ يرجع إليها عشاق الدراسة والاستبصار من ناشئة الوطن وأدبائه فإن أتيتم على هذه البغية كنتم من المحسنين.
تمهيد.
كثر عداد من يزعمون أن العرب هم المتفردون دون سائر الناس في الاعتقاد بالجن اعتقاداً دينياً سنداً إلى ما ورد في كتابهم الموحى من صريح النصوص القائلة بوجودهم_كما في سورة الرحمن والأحقاف والجن_وتوارثاً لما ورد في أقاصيص الجاهلية مما دونه الثقات وأثبته المؤرخون وأتى على بيانه الشيخ بحيث لم يبق مجال لتفصيل وتعليل. وفي ذلك الزعم من الخطأ والوهم وا لا يحتاج إلى دليل فإنك لو رجعت إلى كتب الأمم القديمة من كل بيئة وجنس ومذهب لرأيت في تضاعيفها ما يؤيد كون الاعتقاد بالجن كان منتشراً بين البشر مستفيضاً في كل قبيلة وفصيلة وشعب ممن أهل بهم المعمور من الأرض شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً باديةً وحضراً لا يستثنى منه قوم ولا تبرأ منه أمة ولكن على تباين