المذهب والزجاج الملون والبلاط المجزع وفي البلد بيمارستان يراعي البطريك المرضى فه بنفسه وفي المدينة من الحمامات ما لا يوجد مثله في مدينة من اللذاذة والطيبة فإن وقودها من الآس وماؤها سيح وفي ظاهر البلد نهر يعرف بالمقلوب يأخذ من الجنوب إلى الشمال وهو مثل نهر عيسى وخارج البلد دير سمعان وهو مثل نصف دار الخليفة يضاف فيها المجتازون يقال أن دخله في السنة أربعمائة ألف دينار ومنه يصعد إلى جبل اللكام وفي هذا الجبل من الديارات والصوامع والبساتين والمياه المتفجرة والأنهار الجارية والزهاد والسياح وضرب النواقيس في السحار وألحان الصلوات ما يتصور معه الإنسان أنه في الجنة. وفي أنطاكية شيخ يعرف بأبي نصر بن العطار قاضي القضاة فيها له يد في العلوم مليح الحديث والإفهام وخرجت من إنطاكية إلى اللاذقية وهي مدينة يونانية لها ميناء وملعب وميدان للخيل مدور وبها بيت كان للأصنام وهو اليوم كيسة وكان في أول الإسلام مسجداً وهي راكبة البحر وفيها قاض للمسلمين وجامع يصلون فيه وأذان في أوقات الصلوات الخمس وعادة الروم إذا سمعوا الأذان أن يضربوا الناقوس وقاضي المسلمين الذي بها من الروم. ومن عجائب هذا البلد أن المحتسب يجمع القحاب والغرباء المؤثرين للفساد من الروم في حلقة وينادي على كل واحدة منهن ويتزايد الفسقة فيهن لليلتها تلك ويؤخذن إلى الفنادق التي هي الخانات لسكنى الغرباء بعد أن تأخذ كل واحدة منهن خاتماً هو خاتم المطران حجة بيدها من تعب الوالي لها فإنه متى وجد خاطياً مع خاطية بغير ختم المطران ألزمه جناية. وفي البلد من الحبساء والزهاد في الصوامع والجبال كل فاضل يضيق الوقت عن ذكر أحوالهم والألفاظ الصادرة عن صفاءِ عقولهم وأذهانهم اهـ. .
وبعد فإن تاريخ القفطي من الكتب التي أجاد فيها مصنفها حريٌ بأن يستفيد منه كل متأدب ومتعلم ويرجع إليه كل عالم ومؤرخ سلس العبارة جميل المأتى ينقل الأمور على علاتها في الأكثر بدون تمحيص لها أو إبداء رأي فيها وابن أبي أصيبعة يفوقه في رد كل قول إلى قائله وضبط الأعلام والتدقيق في التواريخ وأخبار الرجال وذكر شذور من شعرهم ونثرهم والكتابان كفرسي رهان أو كالسلسلة المفرغة لا تدري أين طرفاها.