للنجاح في الأعمال أسباب كثيرة منها ما هو مادي ومنها ما هو معنوي إذا اختل أحدها تعذر النهوض بالشق الآخر. وإنشاء الجرائد والمجلات لا يخرج عن هذا الحد المقرر وهل في الأرض عمل لا يحتاج إلى علم وتجارب ومال واستعداد. ولطالما رأينا مصر في الثلاثين سنة الأخيرة والشام في عهدها الدستوري الجديد وغيرهما من الأمطار والأقطار التي يتكلم أهلها بالعربية تتجرأ على إصدار الصحب بدون حساب ولا روية وأدركنا العامة أجرأ من الخاصة على اقتحام هذا المركب الصعب وليس لديهم في الأغلب من وسائط النجاح كبير أمر فلا يلبث ما ينشئون أن يظهر إلى الوجود حتى يختفي اضطراراً لا اختياراً.
وهذا هو السبب في تعداد الجرائد وقصر أعمارها واشمئزاز الناس منها غذ توهموا بما تمثل لهم من حال بعض من أقدموا عليها آلة للتكسب والتدجيل لا أداة للوعظ والإرشاد والتعليم.
ما رأينا صناعة من الصناعات استسهل الناس أمرها كالصحافة فلم يعهد معلم في النجارة أو الحدادة أو البناء أو الهندسة يحترف هذه الحرف بدون سابق ممارسة ويتصدر للاعتياش منها وهو لا يعرف من أسراها سراً ولكن فن الصحافة في هذه الديار الذي يتوقف النجاح فيه على أسباب كثيرة أهمها العلم والتجربة والمال قد رأينا أناساً من الأغمار يدعونه بدون خشية وأكثرهم لا يعرفون قراءة الجرائد والمجلات دع عنك تأليفها وإصدارها.
كان جمهور الناس إلى عهد قريب يشارك الأطباء في طبهم فترى الكبير والصغير إذا عرض لهما مريض من خاصتهما ومعارفهما لا يتوقفان في وصف علاج يشفيه مدعيين أن ذلك من مجرباتهما أو مجربات أصحابهما ولما كثر الأطباء واستنارت الأمة بعض الشيء خفت هذه العادة في التعدي على الأطباء في طبهم إلا عند الطبقة الجاهلة أما الصحافة فيدخل فيها الفعل أناس ليسوا منها وليست منهم ويصفون للأمة أدوية تقيها الأسواء والأرزاء والأدواء ويعترضون على العالمين والحاكمين والسلاطين بلا خشية ولإحياء كأن طب الأرواح أصعب من طب الأشباح أو كأن الصحافة من العلوم اللدنية لا الكسبية يتعلمها المرء بالذوق وتوحى إليه إيحاءً.
من أجل هذا احتقرت الأمة الصحافة لما رأت من ضعف كثير من أدعيائها في أخلاقهم