وقال إبراهيم ابن إسماعيل الكاتب كانت علية حسنة الدين لا تغني ولا تشرب إلا إذا كانت معتزلة الصلواة فإذا طهرت أقبلت على الصلاة وتلاوة الأوراد ومطالعة الكتب_إلا أن يدعوها الخليفة إلى شيء فلا تقدر على خلافه_وأطرب شيء إليها قول الشعر.
وكان أحد أحفاد الفضل بن الربيع وزير الرشيد يقول ما اجتمع في الإسلام أخ وأخت أحسن غناءً من إبراهيم بن المهدي وأخته علية وكانت أخته تقدم عليه.
حدث يوماً أبو أحمد بن الرشيد فقال: دخل في بعض الأيام المأمون إلى دار الحرم ودخلت معه فسمعت غناءً أذهل عقلي فلم أقدر أن أتقدم ولا أتأخر وفطن المأمون لما بي فضحك ثم قال: هذه عمتك عليه تطارح عمك إبراهيم.
مالي أرى الأبصار بي جافية ... لم تلتفت مني إلى ناحية
لا تنظر الناس إلى المبتلي ... وإنما الناس مع العافية
وقد جفاني ظالماً سيدي ... فأدمعي منهلة واهية
والشعر والغناء لها ومن شهرها في أخيها الرشيد وقد دعته إلى وليمة فلبى دعوتها:
تفديك أختك قد حبوت بنعمةٍ ... لسنا نعدُّ لها الزمان عديلا
إلا الخلود وذاك قربك سيدي ... لا زال قربك والبقاءُ طويلا
وحمدت ربي في إجابة دعوتي ... فرأيت حمدي عند ذاك قليلاً
قال الراوي ما معناه: لما زارها الرشيد قال لها غنيني يا أختي فقال وحياتك لأعملن فيك شعراً ولأصوغنَّ فيه لحناً ولأسمعنك به غناءً يطرب الثكلى ويرقص المقعد ويشجي المدنف ثم نظمت في وقتها الثلاثة أبيات التي ذكرناها وغنت بها في لحن جديد من خفيف الرمل فأطرب الرشيد كثيراً واستعادها إياه مرَّات. ولها فيه أيضاً وقد دعا أختها العباسة إلى زيارته ولم يدعها:
ما لي نُسيت وقد نودي بأصحابي ... وكنت والذكر عندي رائحٌ غادِ
أنا التي لا أطيق الدهر فرقتكم ... فرق لي يا أخي من طول إبعادي
ولها في ابن أخيها الأمين وكانت لما مات الرشيد جزعت عليه جزعاً شديداً وتركت اللهو والغناء فلم يزل بها الأمين حتى عاودتهما وهي كارهة فقالت:
أطلتِ عاذلتي لومي وتفنيدي ... وأنت جاهلة شوقي وتسهيدي