مجله المقتبس (صفحة 3255)

دائرة اختبارها حتى صارت آية الفضل ونابغة الأدب ومثال العفاف وعنوان الرقة والبلاغة في قرض الشعر الصحيح الأجزاء المتين التراكيب الرشيق المعاني تتفنن في أساليبه وتأخذ بأطرافه أخذاً يبهر العقول ويفتن الألباب على كونها نشأة زهو وترف وغرسة صفو ونعيم. ومعلوم أن الملكة الشعرية لا تستحكم في فتاة إلى هذا الحد إلا بعد الإمعان والجد وإحياء وإحياء الليالي الطوال تبحراً في علوم العرب وإتقاناً لفنون الأدب وتعمقاً في دراسة أشعار النابغين المجيدين من فحول الجاهلية والمخضرمين والمولدين وإلا لما تهيأ لها أن تحذوا حذوهم وتنسج على منوالهم وما تلك بالوحيدة بين أترابها في ذلك العصر الزاهر وما بعده بل يوجد كثيرات مثلها حتى بين الجواري القيان فضلاً عن حرائر الآنسات الحسان.

* * *

ولدت عليه حفيدة المنصور_ثاني خلفاء العباسيين_وبنت المهدي وأخت موسى الهادي وإبراهيم ابن المهدي وهارون الرشيد والعباسة وأسماء وعمة الأمين والمأمون والمعتصم وصالح من سرية أم ولد تدعى مكنونة جارية المروانية وذلك سنة 160 للهجرة وأدركتها الوفاة نحو سنة 210 وقد ناهزت الخمسين على إثر حمى أصابتها وقد قال بعض المؤرخين في سبب وفاتها أن ابن أخيها المأمون ضمها إليه طويلاً وجعل يقبل رأسها والنقاب مسدول على وجهها فغصت بريقها من شدة ما نالها من حبس أنفاسها ثم شرقت وسعلت فكان في ذلك حتفها.

قال أبو إسحق القيرواني في كتابه زهر الآداب كانت عليه لطيفة المعنى رقيقة الشعر حسنة مجاري الكلام رخيمة الصوت ولها ألحان حسان أحصاها أبو الفرج الصبهاني في كتابه فإذا هي ثلاثة وسبعون وكلها حسن مختار.

وقال النوفلي عنها أنها من أوضئ النساء وجهاً وأعدلهن قواماً وأظرفهن كلاماً تقول الشعر المتين الجيد وتصوغ الألحان الحسنة وكان في جبينها أثر من شجة أو فضل سعة ينقص من محاسنها فاتخذت العصائب المكللة بالجواهر تستر ذلك العيب فكان ما أحدثته خير ما ابتدعته النساء وقد وهم من قال أن أختها العباسة المبدعة لتلك العصائب فإن ذلك لم يقله أحد من ثقاة المؤرخين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015