مجله المقتبس (صفحة 3212)

قصر له في لوزان في سويسرا وفي الشتاء في باريز وقد أقام في ذهنه منذ أشهر أن يدرس اللغة العربية للاطلاع عَلَى حضارة العرب ومدنيتهم الباهرة فاتخذ له أستاذاً صديقنا ووطنينا ميشيل أفندي بيطار وأنشأ يتخرج به فقطع شوطاً في التعلم وإذ كانت الدواعي تضره إلى المقام في قصره في سويسرا أكثر من باريز وكان أستاذه لا يستطيع أن يلحق به إلى سويسرا كتب إليه يلتمس منه التماس التلميذ من أستاذه أن يبعث إليه بدروس عشرين يوماً حتى لا يضيع وقته مدة مقامه في سويسرا ويحرم من الاستفادة والتحصيل فإذا آب إلى العاصمة يعاود من بدأ به.

هذا الرجل عَلَى أبواب الشيخوخة وهو في هذه السن يحاول أن يتعلم لغة شرقية لا عهد له بمعرفتها. أو أن يتعلم لغة القرآن ليدرس بها مدنية أهله وشبان العرب أنفسهم يترفعون عن أن يقضوا ولو بعض أوقات فراغهم في إحكام لغتهم. هذا هو مثال صغير من أمثلة الهمم في الشرق وأمثلتها في الغرب فهل فيكم يا شباب المستقبل وقرة عيون العثمانية العربية من يمشي عَلَى أقدام هذا الشيخ الفرنسوي حتى لا يجيء علينا وقت نضطر فيه أن نأخذ لغتنا بل ديننا عن أوربا ونكون تحت وصايتها حتى في أمس الأمور بتاً وأعقلها بقلوبنا؟

كل ما نراه من همم الغربيين ومتنانتهم هو محصول الكتاب والمدرسة فأنتم وأمثالكم شباب هذه الأمة في أيدي اقتداركم أن تجددوا لها شبابها إذا وضع كل منكم نصب عينيه الذهاب إلى الغرب وقضاء سنين في الدرس والبحث ليرى بعينيه ويحكم بنفسه عَلَى قصورنا عن الغربيين وفقرنا وغناهم وشقائنا وسعادتهم ليعلم أنني لا أغالي فيما أوردته لكم بل إنني عاجز عن الوصف والتعريف. ولا يقعن في أذهانكم أن الذهاب إلى أوربا بعيد المنال وأنه لا يتيسر إلا لكبار الأغنياء فالعيش في معظم البلاد الأوربية أرخص من الآستانة ومصر ودمشق وبيروت والمدارس رخيصة أجورها ولا يكاد لها أجور ومنها ما أجرة الطالب فيه مع الأكل والنوم والدرس ستون فرنكاً في الشهر ومثل هذا القدر من المال لا يصعب عَلَى أحد فيما أحسب أن يعده أو يستلفه عَلَى المستقبل مهما بلغ من ضيق ذات يده.

يا أبناء قومي ويا زهرات أمتي! أليس من العار أن تكون بلادنا التي لا تعيش إلا بالزراعة ولا تحيا إلا بالزراعة خالية من عارفين بها عَلَى الأصول الحديثة فلا يكون الذين يتعلمون منا هذا الفن في أوربا سوى طالبين اثنين أحدهما في المدرسة الزراعية في لوفان من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015