مجله المقتبس (صفحة 3211)

كليتها ومدارسها والعرب في هذا المعنى أكثر العثمانيين قصوراً. ولقد أحصيت جميع من يدرسون من أبناء سورية في أوربا عَلَى نفقة الحكومة أو عَلَى نفقاتهم فلم أقدر أن أوصلهم إلى ثلاثين طالباً أكثرهم يدرسون عَلَى نفقتهم فليت شعري أليس هذا العدد بقليل عَلَى قطر يناهز سكانه الثلاثة ملايين. هذا من سورية أرقى البلاد العربية وما أظن أحداً من أبناء العراق والجزيرة والحجاز واليمن وطرابلس وبرقة وغيرهم من الأقاليم العربية يدرس في مدارس أوربا فيكون هؤلاء الثلاثون طالباً لخمسة عشر مليوناً من العرب العثمانيين يصيب كل مليون نسمة طالبان وما أعظم ذلك من قصور وتقصير.

نعم هو تقصير وليس وراؤه وراء وخمود همم كاد يصدق به علينا حكم الغريب. وإني لأرجو أن لا تكون أقوالنا أكثر من أفعالنا فإن الكلام لا أثر له بقدر الفعل. نريد معاشر العرب أن نجاري الأمم الراقية بل سائر العناصر من أخواننا العثمانيين ولا نجاريهم عَلَى الأقل في مضمار التعلم؟

نتناغى بالوطنية ونندب حظ اللغة العربية ونحن أبناءها الذي نعقها ولا نتعلمها. أليس مما يزعج أن يخطب العربي أباه وأمه وأخاه وصديقه بغير لغته الأصلية؟ يعمل ذلك لا ليتمرن عَلَى تلقف غير لغته بل لأنه لا يعرف أن يتكلم ويكتب بلسان أبيه وأمه وقد يكون في الأكثر ممن يفرض عليهم فرض عين تعلمها ليفهم بها كتابه وشريعته.

أنا إن كنت عربياً وأحب العرب وأريد نهوضهم أيتيسر لي كل ما أريد إذا لم أخاطبهم وأخطبهم وأكتب لهم بلغتهم التي يفهمونها. أنا إن كنت أريد الاطلاع عَلَى مجد آبائي وأجدادي أأتمكن من ذلك بدون دراسة ما خلفوه من آثارهم وهل يتيسر لي إلا باللغة التي كتبوا بها؟ أقول هذا وأنا آسف كل الأسف عَلَى قصور العرب عَلَى تعلم لغتهم قصوراً لا أبالي إذا قلت أن فيه العار والشنار.

أيزهد سلالة العرب الأكارم في لغتهم ويتعلمها المستشرقون أكثر من علماء العرب أنفسهم؟ أيزهد العربي ابن العشرين في العربية ويتعلمها رجل أعجمي في الستين من عمره. وأعني به الكنت دي سارديج الفرنسوي. هذا الرجل من أهل الطبقة العالية في غناه كان والده سفيراً في طهران عن الملك لويز فيليب ملك فرنسا وقد كان هو موظفاً في السفارات وأخر وظيفة له رئاسة تراجمة سفارة فرنسا في مدريد ثم استقال وهو يسكن في الصيف في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015