مجله المقتبس (صفحة 3027)

ولا أن يكون لهم في الإنكار له نفع أو عليهم في الإقرار به ضرر.

وأما أكلهم باليارحين والسكين فمفد للطعام ناقص للذته والناس يعلمون إلا من عاند منهم وقال بخلاف ما تعرفه نفسه أن أطيب المأْكل ما باشرته كف آكله ولذلك خلقت الكف للبطش والتناول والتقذر من اليد المطهرة وعجب وأولى بالتقذر من اليد الريق والبلغم والنخاع الذي لا يسوغ الطعام إلا به وكف الطباخ والخباز تباشره والإنسان ربما كان منه أقل تقذراً وأشد إنساً.

وأما الشجاعة فإن العرب في الجاهلية أعز الأمم أنفساً وأعزها حريماً وأحماها أنوفاً وأخشنها جانباً وكانت تغير في جنبات فارس وتطرقها حتى تحتاج الملوك إلى مداراتها وأخذ الرهن منها والعجم تفخر بأساورة فارس ومرازبتها وقد كان لعمري لهم البأْس والنجدة غير أن بين العرب وبينها في ذلك فرقاً منه أن العجم كانت أكثر أموالاً وأجود سلاحاً وأحصن بيتاً وأشد اجتماعاً وكانت تحارب برياسة الملك وسياسة سلطان وهذه أمور تقوي المنة وتشد الأركان وتؤَيد القلوب وتثبت الأقدام والعرب يومئذ منقطعة ليس لها نظام ومتفرقة ليس لها التئام وأكثرها يحارب راجلا بالسيف الكليل والرمح الذليل والفارس منها يحارب عَلَى الفرس العربي الذي لا سراج لع وعَلَى السرج الرث الذي لا ركاب له والأغلب عَلَى قتال العجم الرمي والأغلب عَلَى قتال العرب السيف والرمح وهما أدخل في الجلد وأبعد من الفرار وأدل على الصبر.

وشجعاؤُهم في الجاهلية مثل عتيبة بن الحارث بن شهاب صياد الفوارس وبسطام بن قيس وبجير وعفاف ابني أبي مليل وعامر بن الطفيل وعمرو بن ود وأشباههم وفي الإسلام مثل الزبير وعلي وطلحة ورجال من الأنصار وعبد الله بن حازم السلمي وعباد بن الحصين وقال ما ظننت أن أحداً يعدل بألف فارس حتى رأَيت عباداً ليلة كإبل وقطري ابن الفجاءة وشبيب الحروري وأمثال هؤُلاء عدد الرمل والحصا ليس منهم أحد إذا أنت توقفت عَلَى إخباره وحاله في شجاعته إلا وجدته فوق كل أسوار والرجليون للعرب خاصة.

قال أبو عبيدة رجليو العرب المشهورون المنتشر بن وهب الباهلي وسليك بن عمير السعدي ولوفى بن مطر المازني وكان الرجل منهم يلحق بالظبي حتى يأخذ بقرنيه وإذا كان زمان الربيع جعلوا الماء في بيض نعام مثقوب ثم دفنوه فإذا كان الصيف وانقطع الغزو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015