المائدة لا يعافون شيئاً ولا يتقذرون أكل السباع ونهش الكلاب ويفخر عليهم بأطعمة العجم وحلوائها وآدابها عَلَى الطعام وكلها باليارحين والسكين فإما هذان الشاعران اللذان يهجوان الأضياف ويصفانهم بكثرة الأكل وجودة اللقم فإن أحدهما كان فقيرا ضعيف الحال فإذا نزل به الضيف لم يجد بداً من إيثاره بقليل ما عنده أو مشاركته فيه فيبيت طاوياً ويصبح جائعاً ويجيش صدره بما حل به والشاعر بمنزلة المصدور لابد من أن ينفث فيستريح إلى ذكر لقم الضيف ووصف أكله وحديثه قال هو أو غيره بذكر الضيف:
تجهز كفاه ويحدر حلقه ... إلى الزور ما ضمت إليه الأنامل
يقول وقد ألقى المراسي للقرى ... ابن لي ما الحجاج بالناس فاعل
فقلت له ما إن لهذا طرقتنا ... فكل ودع الأخبار ما أنت آكل
أتانا ولم يعدله سحبان وائل ... بياناً وعلماً بالذي هو قائل
وقال أيضاً يذكر الأضياف:
باتوا وجلتنا الشهرين بينهم ... كأَن أظفارهم فيها السكاكين
فأصبحوا والنوى عالي معرسهم ... وليس كل النوى يلقى المساكين
أراد من الأضياف من يأْكل التمر بالنوى وهذا يدل عَلَى شدة فقره. وأما مزرد فكان شرهاً منهوماً والشره رفيق البخل وهو القائل:
لبكت بصاعتي صاع عجوة ... إلى صاع سمن فوقه يتربع
فقلت لبطني أبشر اليوم إنه ... حوى أمنا مما تحوز وترفع
فإن يك مصبوراً فهذا دواؤه ... وإن يك غرثاناً فذا يوم يشبع
وقال الحطيئة:
أعددت للضيفان كباً ضارياً ... عندي وفضل هراوة من أرزان
ومعاذراً كذباً ووجهاً باسراً ... وتشكياً عض الزمان الألزان
وهذا شر القوم وليس من الناس صنف إلا وفيه الخير والشر عَلَى ذلك أُسست الدنيا وعليه درج الناس ولولا أحدهما ما عرف الآخر وإنما يقضي بأغلب الأمور ويحكمون بأشهر الأخلاق. وليس في ثلاثة من الشعراء أو أربعة ما هدر مكارم الأخلاق آلاف من الناس وبدد صنائعهم. فهذا كعب بن مامة آثر بنصيبه من الماء رفيقه النمري حتى مات عطشاً.