وهذا حاتم الطائيّ قسم ماله بضع عشرة مرة ومرة في سفره عَلَى عنزة وفيهم أسير فاستغاث به ولم يحضره شيءٌ فاشتراه من العنزيين فخلاه وأقام مكانه في القد حتى أدى فداءه. وكل فخر في طي فهو راجع إلى نزار ولهم الجبلان وهما بنجد وأخذهم بآدابهم وتخلقهم بأخلاقهم. وهذا عديُّ شاطر ابن دارة الشاعر ماله. وهذا معن في الإسلام كان يقول فيه حدث عن البحر ولا حرج وعن معن ولا حرج. وأتاه رجل يستحمله فقال يا غلام أعطه فرساً وبرذوناً وبغلاً وعيراً وبعيراً وجارية ولو عرفت مركوباً غير هذا لأعطيتكه. وهذا نهيك بن مالك بن معوية باع إبله وانطلق بأثمانها إلى منى فانهبها والناس يقولون مجنون فقال:
لست بمجنون ولكني سمح ... أنهيكم مالي إذا عز القمح
وهذا شيء بكثر جداً ويتسع القول فيه ويخرج الكتاب من فنه باستقصائه وكان غرضنا في هذا الكتاب أن ننبه بالقليل من كل شيء في عيون الأخبار. وأما تعييرهم إياهم بخبيث المطعم كالعلهز والحيات وخبيث المشرب كالفظ والمجدوح فإن هذا وأشباهه طعام المجاوع والضرورات وطعام نازلة الفقر والفلوات وقال الشاعر:
إذا السنة الشهبآء حل حرمها
يريد أنهم يأْكلون فيها الميتة وقال الراعي:
إلى ضوء نار يشتوي القد أهلها ... وقد يكرم الأضياف والقد يشتوي
وإنما كأن يكون هذا عيباً لو كانت العرب مختارة له في حالة اليسر كما تختار بعض العجم الذباب وبهم عنه غنى والسراطين والدجاج لهم معرضة فأما حال الضرورة فالناس كلهم يعسرون فمن لم يجد اللحم أكل اليربوع والضب ومن لم يجد المآء شرب المحدوح والفظ.
قال الأصمعي أغير عَلَى إبل حريثة فذهب فركب بحيرة فقيل أتركب الحرام فقال يركب الحرام من لا حلال له: وقال الشاعر:
يا ليت لي نعلين من جلد الضبع ... كل الحذاء يحتذي الحافي الوقع
ومما يدلك عَلَى أن أهل الثروة منهم على خلاف ما عليه الصعاليك والغثر قول الشاعر:
فما لحم الغراب لنا بزاد ... ولا سرطان أنهار البريض
فالتقى من أكل لحوم الغربان وعير بها قوما.