وإن كانت النعماء فيهم جروا بها ... وإن أنعموا لا كدروها ولا كدوا
يسوسون أحلاما بعيداً أناتها ... وإن غضبوا جاء الحفيظة والجد
أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم ... من اللوم أوسدوا المكان الذي سدوا
ولهم الضيافة عامة شاملة في جميع البادين منهم والإيثار عَلَى النفس والجود بالموجود وأفضل العطا جهد المقل.
وقال عثمان بن أبي العاص: لذرهم يخرجه أحدكم من جهد فيضه في حق خير من عشرة آلاف درهم يخرجها أحدنا غيضاً من فيض: ولولا ما تواصوا به من الضيافة وتحاضوا عليه من الإيثار لمات الخير وأبدع به دون غايته.
وقال أرطاة بن سهية:
وما دون ضيفي من تلاد تحوزه ... إلى النفس إلا أن تصان الحلائل
وقال ابن أبي الزناد قال عبد الملك بن مروان ما يسرني أن أحد من العرب ولدني إلا عروة بن الورد لقوله:
وإني أمروءٌ عافي إنائي شركة ... وأنت امروءٌ عافي إناؤُك واحد
أتهزأُ مني أن سمنت وإن ترى ... بجسمي مس الحق والحق جاهد
أقسم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو قراح الماء والماء بارد
يريد أنه يقسم قوته على أضيافه فكأَنه قسم جسمه لأن اللحم الذي ينبت ذلك الطعام يصير لغيره ويحسو قراح الماءِ في الشتاء ووقت الجدب والضيق لأنه يؤَثر باللبن فتوقف عَلَى هذا الشعر وعَلَى ما فيه من شريف المعاني.
وقال آخر:
إذا ما عملت الزاد فالتمس له ... أكيلا فإني غير آكله وحدي
بعيداً قصياً أو قريباً فإنني ... أخاف مذمات الأحاديث من بعدي
فكيف يسيغ المرءُ زاداً وجاره ... خفيف المعي بادي الخصاصة والجهد
ولعل الطاعن أن يقول في هذا الموضوع فأين هو من ذكر مزرد وحميد الأرقط وهجائهما للأضياف وأين هو من مطاعمهما الخبيثة من الحيات والضباب واليرابيع والعلهن وشربهم الفظ والمجدوح وأكل ميلسرهم لحوم الإبل حيذاً غير نضج ونيا والعروق والعلابي وسقط