مجله المقتبس (صفحة 3020)

سقط إلى الأرض هد فتفتح الدال من الاسم وكذلك الأمم فيها أمة كرم بلبانها كالعرب فإنها لم تزل في الجاهلية تتواصى بالحلم والحياء والتذمم وتتعاير بالبخل والغدر والسفه وتتنزه من الدناءَ والمذمة وتتدرب بالنجدة والصبر والبسالة وتوجب للبحار من حفظ الجوار ورعاية الحق فوق ما توجبه للحميم والشفيق فربما بذل أحدهم نفسه دون جاره ووقي ماله بماله وقتل حميمه. منهم كعب بن مامة وكان إذا جاوره جار فمات بعض لحمته وداه وإذا مات له بعير أو شاة أعطاه مكان ذلك مثله. ومنهم عمير بن نسلي الحنفي أحد أَوفياء العرب وكان له جار فخالفه أخوه قرين إلى امرأَة فاشتد الرجل في حفظ امرأَته فقتله وكان عمير غائباً فلما قدم وخبر بذلك دفع قريناً إلى ولي المقتول فقتله واعتذر إلى أمه وعظم جرمه فقالت:

تعد معاذراً لا عذر فيها ... ومن يقتل أخاه فقد ألاما

ومن أعجب أمر في الجوار قصة أبي حنبل حارثة بن مرَّ وكان الجراد سقط بقرب بيته فقصد الحي لصيده فلما رآهم قال أين تريدون قالوا نريد جارك هذا فقال أي جيراني قالوا الجراد فقال أما إذ جعلتموه لي جاراً فوالله لا تصلون إليه ثم منع عنه حتى انصرفوا ففخر بعضهم فقال:

لنا هضبة ولنا معقل ... صعدنا إليه بصم الصعاد

ملكاه في أوليات الزمان ... من بعد نوح ومن بعد عاد

ومنا ابن مرَّ أبو حنبل ... أجار من الناس رجل الجراد

وزيد لنا ولنا حاتم ... غياث الورى في السنين الشداد

وقال قيس بن عاصم يذكر قومه:

لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم لحفظ جواره فطن

وقال مسكين الدارمي:

ناري ونار البحار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر

ما ضر جاراً لي يجاورني ... أن لا يكون لبابه ستر

وقال الحطيئة بعد محاسن قومه:

أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015