الخمول فذو الهمة تسمو به نفسه إلى معالي الأمور وترغب به عن الشائنات فيخاطر في طلب العظيم بعظيمته، ويستخف في ابتغاء المكارم بكريمته، ويركب الهول ويدرع الليل، ويحط إلى الحضيض، وتأْبى نفسه إلا علواً حتى يسعد بهمته، ويظفر ببغيته، ويحوز الشرف لنفسه وذريته، ومن لا همة له جثامة لبد يغتنم الأكلة ويرضى بالدون ويستطيب الدعة وإن أعدم لم يأْنف من ذل السؤال والجبان يفرعن أمه وأبيه وصاحبته وبنيه والشجاع يحمي من لا يناسبه بسيفه وبقي الجار والرفيق بمحبته والبخيل يبخل على نفسه بالقليل والجواد يجود لمن لا يعرفه بالجزيل وقال الله عز وجل (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) يريد قد أفلح من أنمى نفسه بالمعروف وأعلاها وقد خاب من أسقطها بلئيم الأخلاق وأخفاها وقد يكون الرجل مخالفاً لأبيه في الأخلاق وفي الشمائل أو في الهمم أو في جميع ذلك لعرق نزعه من قبل أجداده لأبيه وأمه وقال الشاعر:
وأشبهت جدك شر الجدود ... والعرق يسري إلى النائم
ومن الناس الشريف الحسيب وذلك الذي جمع إلى محاسن آبائه محاسن ومنهم الشريف ولا حسب له وذلك إذا كان لئيم النفس ومنهم من لا شرف له ولا حسب وذلك إذا كان لئيم النفس لئيم السلف.
وقال قيس بن ساعدة لأقضين بين العرب قضية ما قضى بها أحد قبلي ولا يردها أحد بعدي (أيما رجل رمى بملأَمة دونها كرم فلا لؤم عليه وأيما رجل ادعى كرماً دونه لؤم فلا كرم له) يعني أن أولى الأمور بالمرء خصاله في نفسه فإن كان شريفاً في نفسه وآباؤُه لئام لم يضره ذلك وكان الشرف أولى به وإن كان لئيماً في نفسه وآباؤُه كرام لم ينفعه ذلك.
ومثله قول عائشة: كل شرف دونه لؤم فاللؤم أولى به وكل لؤُم دونه شرف فالشرف أولى به: وقال الشاعر في مثله
ومن بك ذا لؤُم ومجد يعده ... فأولى به من ذاك ما كان أقربا
فلا لؤُم عوداً بعد مجد يده ... ولا مجد معدوداً إذا اللؤم عقبا
والحسب مأْخوذ من قولك حسبت الشيء أحسبه حسباً إذا عدوته وكان الرجل الشريف يحسب مآثر آبائه وبعدهم رجلاً رجلاً فيقال لفلان حسب أي آباء يعدون وفضائل تحسب فالمصدر مسكن والاسم مفتوح كما تقول هدمت الحائط هدما فتسكن المصدر وتقول لما