أو الرد عَلَى الشعوبية
لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة من أهل القرن الخامس
تتمة ما في الجزءِ الماضي
ومنهم الحطيئة هجا أباه وأمه ونفسه فقال في أمه:
تنحي فاقعدي مني بعيدا ... أراح الله منك العالمينا
ألم أوضح لك البغضاء مني ... ولكن لا أخالك تعقلينا
أغر بألا إذا استودعت سراً ... وكانوناً عَلَى المتحديثينا
وقال لأبيه:
لحاك الله ثم لحاك حقا ... أبا ولحاك من عمر وخال
فبئس الشيخ أنت عَلَى المخازي ... وبئس الشيخ أنت لدى المعالي
جمعت اللؤم لا حياك ربي ... وأبواب السفاهة والضلال
وقال لنفسه:
أبت شفتاي اليوم ألا تكلما ... بشر فما أدري لمن أنا قائله
أرى لي وجها شوه الله خلقه ... فقبح من وجه وقبح حامله
وأتى عيينة بن النهاس العجلي مادحا فقال عيينة لوكيله أذهب معه إلى السوق فلا يشيرن إلى شيء ولا يومن به إلا اشتريته له فلما انصرف عنه قال:
سئلت ولم تبخل ولم تعط طائلا ... نسيان لاذم عليك ولا حمد
ومن لؤم الغرائز أيضا في الناس أن منهم من يؤثر ريح الكرابيس عَلَى ريح اليلنجوج وريح الحشوش عَلَى نفحات الورد، ويهتاج من النساءِ لذات القبح والدفر، ويكسل عن الحسناء ذات العطر، ومنها أن الرجل يكون في رخاءِ بعد بؤس وسعة بعد ضيق فيسأَم ما هو فيه ويرغب عنه إلى ما كان عليه، وقال أعرابي قدم المصر فحسنت حاله:
أقول بالمصر لما ساَءني شبعي ... إلا سبيل إلي أرض بها جوع
إلا سبيل إلى أرض بها غرث ... جوع يصدع منه الرأس برقوع
وهذا وأشباهه من لئيم الغرائز كثير في الأمم وهذه الطبائع هي أسباب الشرف وأسباب