البشر حتى غدوا يشعرون باللطف والذوق وفائدة العلم والعمل. أنت كنت في مقدمة العواصم التي انبعث منها تمجيد العقل بل تأليهه فقضيت بالتقدم له على كل شيء في الوجود. وبالغت في إكرام العقول من أبنائك.
سلام عليك يا عشيقة الإبداع والاختراع. وسابقة الأقران في مضمار الانتفاع بما حوت الرباع والبقاع. استخدمت القوى المادية فأحدت استخدامها. واستثمرت القوى العقلية فأبدعت في استثمارها. وأحييت حضارات الأمم السالفة. وأنشأت لك حضارات لا يزال يحسدك عليها أسبق الشعوب إلى الترقي مهما تقلبت بك الحال. ويجدون في أوضاعك ما ليس يجدونه في أوضاعهم من المرونة والجمال.
سلام عليك يا واضعة حقوق الإنسان وملقحة الأذهان بالتناغي بحب الأوطان والداعية إلى ثل عروش الجبارين والمخربين. أنت لم ترهبك تقاليد أبطال القرون الوسطى. والقدر بل أخذت بالأسباب والمسببات فقتلت من أراد قتلك. ووضعت من لم يهمه رفعك. وكنت للناهضين من الناس خير مثال.
سلام عليك يا معهد المعارف والصناعات بما أنشأتيه من مجامعك العلمية ومدارسك الجامعة والكلية. ومجالسك العامية والخاصية. وجمعياتك ونقاباتك لخدمة المدنية والإنسانية. ودور تمثيلك ومعاهد انسك وسماعك. ومتاحفك وحدائقك ومكاتبك ومعارضك. وكل ما أبدعته أفكار أبنائك وأيديهم ودل على مجد طريف وتالد وتاريخ على جبين الدهر خالد.
سلام عليك يا ملقنة الخلق معنى الإخاء والحرية والمساواة ليتعاشروا بالمعروف ويقوم نظام اجتماعهم على تبادل المنافع حتى لا يبقى تمييز في الحقوق والواجبات بين المختلفين في الموالد والديانات وقطعت التفاضل إلا بالأعمال الصالحة والأحلام الراجحة.
سلام عليك يا متشبعة بأفكار الحكماء ارتضيتيها منهم قانوناً تجرين عليه لسعادتك ولئن حاد بعض أبنائك بعض الشيء عنها فذلك لأن سياسة المنافع والمصالح قد تخالف ناموس الحق والعمل الصالح ولأن نظام بقاء الأنسب لا قلب له والتنازع في جهاد الحياة كثيراً ما يدعو الإنسان إلى ركوب ما تحظره الشرائع الوضعية والسماوية ولا سيما في هذه العصور التي يفصل فيها كل عمل على قالب الماديات وما ذلك إلا ليقر البشر بعجزهم ويعلموا أن الكمال الآن محال ولعله لا يفوتهم في مستقبل القرون والأجيال.