السلام على هذه العاصمة التي أحسنت إلى الشرق فيما مضى فعلمته حتى استمد منها النور فإن قلنا معاشر الشرقيين ولا سيما سكان الشرق الأقرب أنا نأخذ عن المدينة الغربية فإنما نعني المدنية الفرنسوية وبعبارة أصح المدنية التي تنبعث أشعتها من باريز ومن طريقها وبلغتها وأسلوبها تيسر لنا أن نستطلع طلع سائر مدنيات الأرض.
سلام عليك علمت فما أحسن العلم والعمل إذا اجتمعا. وما أحلى الإخلاص والشعور بالواجب.
سلام عليك سننت للغرب سنة التضامن والتكافل. والعطف على البائسين والمساكين. والرفق بالضعفاء والعاجزين. والأخذ بأيدي المقهورين والعاثرين. والانتصار للمظلومين من الآدميين خصوصاً إذا كانوا من طينة أوربية.
سلام عليك أنت العاصمة التي تركت القصور الفخيمة التي عمرت بدماء الأمة مباحة للناس يدخلونها وكانت بورة المظالم والمغارم. ومنبعث الشهوات والأهواء. ولطالما جأرت جوانبها بالدعاء إلى السماء من حيف الكبراء أيام كان يوقع ملوكها وهو على سرير نومه توقيعاً واحداً يترك من الغد مئة ألف أسرة في هذه البلاد تبيت جائعة عريانة ليعمر بما يجمع قصراً له أو يدفعه لمحبوبته صبرة واحدة فلما أضناك الظلم والعنت قمت تجعلين من تلك القصور الفاسقة متاحف عامة ومن دور الظلم والظلمات مجالس عدل وعلم ونور.
سلام عليك خلدت أعمال من خلفوا لك هذه المدنية وأقمت تماثيلهم ونصبهم موقع الاحترام والإعظام وتوفرت على تكرير أسمائهم على المسامع كل يوم ألوف الألوف من المرات لتجعليهم مهمازاً لمن يأتي بعدهم من الأبناء والأحفاد.
سلام عليك يا بلد ديكارت وكونت وروسو وفولتير وديدرو وسيمون ومونتسكيو وهوغو وباسكال ورنان ومئات أضرابهم ممن بذلوا حياتهم في حسن خدمتك فلم تنس أفضالهم عليك بعد مماتهم.
أنت إن خجلت من ذكرى الحروب الصليبية وديوان التفتيش الديني ومذبحة القديس برتلماوس ومقتل الفيلسوف فيفاتي وجنون نابليون وغير ذلك من الأعمال البربرية في عصور الظلمة فإن سكانك يفاخرون وحق لهم الفخر بأنهم أحفاد ثورة سنة 1789 قاموا من الأعمال المشكورة في عصور النور ما ينسي الماضي إلا أقله. إن الحسنات يذهبن