الحال إلا بإعطائها للمصريين وماعدا ذلك من الارتقاء العقلي والسياسي فقد كان اللورد يقول لهم كل سنة تصريحاً وتلويحاً في تقاريره السنوية أنكم لا استعداد لكم معاشر المصريين لغير ذلك من الأعمال فهل نسيتم ماضيكم أيام كنتم تساقون إلى السخرة سوقاً وتستعبدون استعباد العبيد والأرقاء أيام الحكومات الماضية المدمرة فاحمدوا الله على أن أنجاكم مما كنتم فيه فحالكم الآن أحسن من ماضيكم مئة مرة فعليكم أن تقنعوا بما حزتموه.
ولكن نبهاء مصر لم يفتهم معنى هذه السياسة وكان الفضل الأكبر للجرائد في تنبيه شعور الأمة المصرية إلى أن وراء ما هم متمتعون به الآن مطلباً أسمى وأنفع فقاموا يسعون إليه سعيهم وهم على اختلاف في الطرق الموصلة إليه لا يختلفون في كون بلوغه لا يتأتى إلا من طريق التعليم والتربية فبذل أهل الاقتدار ما سمحت به نفوسهم من إنشاء الكتاتيب في الأرياف والمدن حتى أسفرت النتيجة بعد بضعة سنين عن تكثير سواد القارئين والكاتبين ثم رأوا أن الأمة لا ترقى إلا إذا كان فيها أفراد يحسنون تعليم الأمة بلغتها ما يلزمها من المعارف المادية والاقتصادية والاجتماعية فسعوا إلى إقناع الحكومة بجعل التعليم في المدارس الابتدائية والثانوية باللغة العربية وكان أكثره بالانكليزية من قبل ثم رأوا أنه إذا لم يكن لهم من أبنائهم من يعلم العلم العالي سبب ارتقاء الأمم لا يكون العلم إلا عقيماً ناقصاً فأنشأوا لذلك المدرسة الجامعة المصرية وهم اليوم ينظمونها لتكون بعد سنين على مثال الجامعات الأوربية تدرس علوم الجامعات الإفرنجية باللغة العربية وهي أول جامعة من هذا النوع لأمة لا يقل الناطقون بها على ستين مليوناً من البشر.
نعم إن الجامعة المصرية اليوم وما دخل من الإصلاح على الأزهر ومدرسة القضاء الشرعي ومدرسة دار العلوم ومدرسة الحقوق ومدرسة الطب ومدرسة الهندسة والزراعة وسائر المدارس الأميرية والخصوصية هي التي تتألف منها اليوم طبقات رجال مصر الحديثة ولا بد لهذا الأمر من آخر ولمساعيهم الحسنة من نتيجة إذا سلك القوم سبيل التوءدة وطبقوا أعمالهم على قانون العقل الصحيح واستفادوا بتجارب الأمم السالفة وانصاع العامة للخاصة وحدهم ولم يبق المجال للغوغاء وبذلك تصبح أسباب القوة المادية والمعنوية في بلادهم على مستوى ما هي عليه عند الأمم الحية حقيقة لا مجازاً.
لا جرم أن المصريين بما فيهم من الذكاء وما ورثوه من حضارتهم القديمة وتيسر لهم من