شمالي افريقية وداخليتها وبلاد العرب والترك وسورية وغيرها. ولما جاء نابليون الأول ثم م علي الكبير دخلت فيها بواسطة علماء من الفرنسيس روح الحضارة الغربية وأسلوب التعاليم الأوربية وأخذت حكومتها ترسل بالبعثات العلمية بل بالبعوث السلمية إلى أوربا ليدرس النشء في كلياتها ثم يعودوا إلى مصرهم فينفعوها بما علمهم الله والبشر الراقي.
وما برحت هذه الإرساليات تكثر ومصر الحديثة تتكون على المناحي الغربية حتى جاء الخديوي إسماعيل وأسرف في مالها إسراف جنون وجهل فاضطرت إلى الاستدانة من الماليين الأوربيين وأكثرهم انكليز وفرنسيس ولما حدثت الفتنة العرابية وجدت انكلترا مدخلاً لها بحجة أن أرباب الأموال يوجسون خيفة على أموالهم ورأت من فرنسا غفلة أو تغافلاً فعملت وحدها على إطفاء الفتنة فصدقت عليها كلمة نابليون في قوله وقد أخرجته انكلترا من مصر بعد احتلاله لها بضع سنين في القرن الماضي أنها لم تخرجنا منها إلا لتأخذها لنفسها في المستقبل.
دخلت انكلترا مصر لإطفاء الفتنة أولاً ثم للمحافظة على ترعة السويس التي أصبحت أكثر أسهمها لجماعة من أبنائها. والترعة كما هو المعلوم طريق الهند الأقرب ومادة حياة دولة البحار. ومن حافظ على سلامته ومادة حياته يعذر.
ولقد كان ميدان الإصلاح فسيحاً أمام المحتلين لتوفر الأسباب الطبيعية لمصر وأن بلاداً لا ينقطع ماؤها ولا تغيب شمسها ولا تتعب تربتها ولا تتعاصى على الإنسان طبيعتها لأقرب البلاد إلى معالجة الإصلاح في مجاهلها ومعالمها.
ولما استتب الأمن في أنحاء القطر أقبل أرباب الأموال من الغربيين وغيرهم يتجرون ويزارعون ويؤسسون المشاريع العمرانية فكانت تلك الحركة نافعة في نهضة القطر الأخيرة نهضة اقتصادية كبرى حسدتها عليها بلاد كثيرة.
تهيأ لمصر والحق يقال من رجال الاحتلال أناس عملوا بإخلاص لتحسين زراعتها وريها وتنظيمها لينتفع من ذلك البريطانيون والمصريون معاً. وكان عميدهم الأكبر لورد كرومر الذي أدار دفة السياسة المصرية أربعاً وعشرين سنة أرخى في خلالها عنان الحرية الفكرية فهاجر إلى مصر كثيرون من المشارقة. عمل هذا وغيره من الأعمال النافعة ولكنه كان يحاول أن يقف بالمصريين عند حد الاشتغال بالزراعة ثم بالوظائف القليلة التي لا تسمح