الرقي المادي هم بمجموعهم أرقى من مجموع الشرقيين خل عنك اليابانيين وفيهم اليوم من العقلاء المفكرين العالمين والباحثين من ليسوا دون أبناء طبقتهم في الغرب وربما فاق الأتراك المصريين في الأمور السياسية والحربية.
ولا يعاب على مصر إلا فتور همة أبنائها في منتصف الطريق في الأغلب وهذا الخلق يكاد يكون عاماً في القطر لا يقوى في التغلب عليه إلا التربية العملية. وحبذا يوم نرى فيه مصر تقبل على العلوم الطبيعية والكيمياء والميكانيك والمعادن مثلاً إقبالها على تعلم الحقوق مثلاً فقد ترى من ناشئتهم زهاء خمسمائة طالب في كليات أوربا وأميركا والقسم الأعظم منهم يدرسون الحقوق ليترشحوا منها إلى الوظائف لأنه وقر في النفوس أن فن المحاماة أكثر عائدة على صاحبه من غيره من الفنون خصوصاً وهو متوقف بعد العلم النظري على طلاقة لسان وفضل بيان والمصريون أكثر العرب حظاً من تينك المزيتين.
أصبحت مصر بمجموعها اليوم قطعة من أوربا كما قال الخديوي إسماعيل ولكن أحبابها يريدون لها أن تكون كأوربا في صفاتها العالية وحضارتها الراقية حتى لا تخرج أملاكها بطيش الطائشين من أبنائها إلى أيدي الغريب فيعود المصري بعد بضع سنين والعياذ بالله كالغريب في بلده وما أصعبها من حالة.
إن مسألة الراية التي تخفق على أمة لاتهم بقدر ما تهم في الحقيقة مسألة الأملاك إذ أنه مهما بلغ من حيف أمة فاتحة أو مستعمرة لا تحدثها نفسها أن تنزع من المالك ملكه إلا برضاه. ومصر التي تتأذى اليوم بوطأة الرومي والطلياني والانكليزي وغيره لا تنتقل بعض أملاكها منها إلا برضى أولئك الوارثين والمسرفين الذين لا يعرفون دخلهم من خرجهم ولا دينهم من دنياهم هذه هي الفئة الضالة المضلة في هذا القطر المحبوب ومنها يخشى على مستقبله.
فبقلة عقول المستهترين أصبحت نحو تسعة أعشار الأطيان والأملاك في مصر للغرباء وعليها مائتان وخمسون مليون جنيه من الديون منها نحو مئة مليون دين الحكومة ولا نعرف متى توفيه والباقي على عنق الفلاح الصغير والمزارع الكبير.
إن ما نخشاه على مصر هو الإسراف الزائد وتقليد الغربي على العمياء ولو كان لأهل وادي النيل شيء من الإمساك المحمود والاقتصاد المعقول إذا لكانت حال مصر السعيدة