تأخراً واسألوا كيف كانت منذ البدء حليفة الضعف والسماجة. اقرأوا المحاضرات التي تتلى اليوم في نادي المدارس العليا ونادي دار العلوم في مصر الخالية من التعقيد والغلط الحالية بالرشاقة والبيان وقابلوها بالخطب التي كانت تتلى زمن الثورة العرابية وبعدها مثلاً تدركون كيف وفقنا الله إلى قيام بناء آدابنا على هذا الأسلوب الرائق والإبداع في الأداء والإلقاء.
أليس مما يعد من نهوض اللغة ما نراه من أحكام ملكتها في طلبة دار العلوم ومدرسة القضاء الشرعي فقد رأينا طلبة أحداثاً تخرجوا من دار العلوم فكانوا والله أعرف بالعربية وفنونها من أكثر من اشتهروا في قرون الانحطاط الأخير على غير حق أما من تمحض منهم للتدريس والنفع فهم مفخر من مفاخر العربية في هذا العصر استحكمت فيهم ملكة البيان استحكامها من العرب العرباء وأحاطوا بعلوم الوقت إحاطة نبهاء الغربيين.
وإليكم أيضاً مثالاً صغيراً أذكره لكم على ما أتت به بعض مدارس مصر في حياة اللغة فقد شاهدت في وادي النيل بعض العمد ممن لم يدرسوا غير الدروس الثانوية يكتبون كتابة صحيحة في الجملة تسقط فيها على روح البيان والتلطف في التعبير مما لا تتلوه في عسلطات المحشين والمهمشين والشارحين من الفقهاء والنحويين المتأخرين وما ذلك إلا بفضل المدارس المنظمة وما تلقيه الجرائد على مسامع الناس وأنظارهم كل يوم من فصح العربية وشواردها وتتفنن فيه من أساليب التعليم. نعم إن مطالعة الجرائد والمجلات أعانت على انتشار الآداب وأدخلت الغيرة على التعلم في نفوس أرباب الاستعداد.
ولذا رأينا البلاد العربية التي لم تنشأ فيها مدارس لتعليم العربية على الأصول الحديثة ولم يولع أهلها بمطالعة الجرائد لقلة انتشارها بينهم ما زال أهلها إلى اليوم يكتبون لغة سقيمة ويتكلمون بلغة سقيمة ومن هذه البلاد مرَّاكش فإن مدينة فاس منذ القديم ما خلت من أفراد يعانون الآداب على الأصول القديمة ولكنهم في الحملة خير من أهل الجزائر الذين لا تكاد تجد فيهم فرداً يعد في الطبقة الثانية في كتابنا فيما علمت وما ذلك إلا لأن اللغة العربية لم تقم لها في بلاد الجزائر في دور من الأدوار سوق نافقة ولأن حكومتها تحاول منذ القديم أن تجعل أهلها فرنسيساً في لغتهم وأفكارهم ومنازعهم.
ولئن ضعفت في تونس تلك الروح الشريفة التي بثها فيها خير الدين باشا التونسي وأشياعه