فإن الآمال قويت الآن بارتقاء ملكة العربية لانتباه التوانسة الأذكياء من الخلدونيين وغيرهم. أما طرابلس الغرب وبرقة الصحراء والسودان فهي من أخوات الجزائر في ضعف ملكة البيان وقلة الجرائد فيها بل عدمها ولكن هناك في صحراء مراكش بلد غريب في تلقف ملكة العربية وأعني به شنقيط بلد الشيخ محمد محمود الشنقيطي الحافظ المشهور في عصرنا. وطريقة أهلها طريقة الأقدمين في التلقي والاستظهار وقد شوهدت في شنقيط بعض البنات الشنقيطيات إلى اليوم يحفظن كامل المبرد مع الفهم وأظن من يحسن فهم هذا الكتاب قلائل حتى في شيوخ الأزهر.
أما سورية فقد كاد ينحصر الفضل في إحياء ملكة العربية الجديدة ببعض المدن وبقيت الأخرى غريبة عن تلك الحركة مثل فلسطين وبلاد حلب وداخلية ولاية سورية ومثلها الحجاز واليمن ونجد وحضرموت ومسقط وعمان وزنجبار والجزيرة والعراق إلا أن ذلك لم يحل دون نبوغ بعض أفراد شاركوا أتم المشاركة في حياة العربية ونعني بهم بعض أولئك العراقيين النوابغ الذين ألفوا وكتبوا ولم يعقهم الحجز على الأفكار الذي دام في البلاد العثمانية إلى يوم 23 تموز 1908 ولذلك لا نغالي إذا قلنا أن ثلاثة أرباع ما تم للعربية من الارتقاء في القرن الأخير يرجع الفضل فيه لمصر والربع الآخر يوزع على سورية والعراق وتونس. ومن الأسف أننا لا نزال نرى بعض الجرائد في الولايات العربية تصدر باللغتين التركية والعربية ولكن القسم العربي منها يكاد يكون أشبه بالمالطية والكرشونية منه بالعربية الحجازية فتسقط فيها من الأغلاط في التركيب والتأليف والألفاظ والوضع وما تسأل الله معه السلامة وأقلُّ من ذلك غلطاً تلك الجرائد التي صدرت مؤخراً في طرابلس الغرب وبعض مدن سورية الصغرى وبغداد والبصرة والموصل وأحسن منها جرائد مهاجري سورية في أميركا الشمالية والجنوبية وهي لا تقل عن ثلاثين جريدة وفيها الجيد والرشيق. ومع هذا فإن الآمال قويت بأن لا ينتصف هذا القرن الرابع عشر للهجرة إلا وتكون ملكة الآداب عمت البلاد التي ينطق فيها بالضاد بل بالصاد والحاء والخاء والعين والغين والثاء والذال والظاء ورقيت لغتنا بمساعي المنورين من أبنائها أمثالكم درجة عالية خصوصاً في البلاد التي كانت كعبة هذه اللغة ومنبعث أنوارها وأريد بها الحجاز واليمن ونجداً فإن فيها بقايا من أرباب الذكاء النادر إلى الآن من لو تمرنوا على العمل إذا تهيأت