صيداء ليكشف عما فيها من أشجار التوت النافع لعمل النشاب فلم يجده موافقاً وربما أحب عدم تصديع أهل البلاد بقطعه ونقله ومنذ ذاك العهد اجتهد أهل الشوف في قطع شجر التوت وتعطيل نشوئه واستئصاله لئلا تصدعهم الدولة من جهته. قلنا ومثل ذلك ما نشاهده في أيامنا من أن بعض أهل القرى البعيدة عن مراكز الحكومة في الولايات العثمانية قد يسخون بقطع أشجارهم فراراً من ظلم ملتزمي الأعشار واشتطاطهم في تقاضي العشور عليها أضعافاً مضاعفة ولم يبرح شجر الأرز موجوداً في عدة أماكن من لبنان على كثرة ما انتابه من البوائق فبالرب من معاصر الفخار على مقربة من بيت الدين غابة منه فيها نحو 250 شجرة يسمونها الأبهل وأخرى فوق الباروك غير ملتفة وضعيفة النمو لكثرة الأمطار والثلوج والعواصف في تلك الأرجاء وثالثة فوق قرية عين زحلتا وكان أحرق أكثرها لاستخراج القطران منه وقطع بعضها أيام حادثة سنة ستين لتجدد بخشبه بعض بيوت المنكوبين ورابعة بين افقا والعاقورة في جرد جبيل من بلاد كسروان وخامسة بين قرية تنورين وبشري صغيرة الشجر وعدد شجيراتها نحو عشرة آلاف وسادسة بالقرب من بشري على علو1925 متراً عن سطح البحر وهي مقصد السياح وفيها أضخم أشجار الأرز ويبلغ عددها 397 وقيل 680 شجرة منها 12 كبرى وأكبرها شجرتان دائرة جذع كل منها نحو خمسة عشر متراً وارتفاع أطولها خمسة وعشرون متراً وقدروا عمرها بثلاثة آلاف سنة. ولا أثر الآن في سورية لشجر الأرز إلا في أعالي سير ببلاد الضنية (1) في وادي النجاص ففيه كثير من شجر الأرز على ارتفاع 1900 متر عن سطح البحر وبين سير ونبع السكر وفي الغابة الواقعة خلف وادي جهنم ويسمى عند أهله تنوب.
ولو توفرت همة أبن الجبل اليوم على غرس شجر الأرز أو أي كان من شجر الاحتطاب في الأماكن الخالية ولا سيما في القمم والقنن لما أتت عشرات من السنين إلا وقد زادت ثروة الجبل زيادة محمودة وكان مع طول الزمن لأبن لبنان من أشجاره مود آخر غير التوت والزيتون مثلاً لأن شجر الأرز لا يجود في الغالب إلا في مثل هذه لعلو من الجبل بل من جبال سورية التي تشبه لبنان بطبيعتها وموقعها.
وإذا زاد عدد الغابات في سورية زيادة كبرى وتوفرت عناية ولايات بيروت وسورية وحلب ومتصرفيتي القدس والزور بتكثير الغابات في الأماكن الخالية ولا سيما في المحال