التي يعرف أنها كانت غابات غبياء نافعة يتحول مناخ سورية وتكثر فيها الأمطار بعد سنين ولا تعود تخشى اليبوسة وهلاك الزرع والضرع كما يحدث بعض السنين فيتأذى بذلك العرب الرحالة في باديتهم كما يتضرر ابن المعمورة بهم ويصبح منهم بين نكبتين سماوية بقلة الأمطار وأرضية بسطو ابن البادية على ما بقي لأبن القرى من رزق.
وليت حكومة لبنان تبدأ فتفرض على كل لبناني أن يغرس عشر شجرات من أصناف الشجر عله تقتدي بها سائر حكومات بلاد الشام بعد ذلك فلا يأتي علينا جيل إلا وتصبح سورية غنية بغاباتها كغنى سويسرا أو أكثر والأشجار في بلادنا أكثر نمواً مما هي في أوربا لما عرفت من اعتدال الفصول ولطف الجو ولقد جربت حكومة الجزائر فغرست الغابات منذ زهاء خمسين سنة فكانت النتيجة أن كثر اليوم تهطال الأمطار فيها على طريقة منظمة وسيكثر خيرها كلما زادت أشجارها وعسانا نقتدي في سورية بهذا المثال.
الهجرة من لبنان
5
منذ أمن السكان في لبنان على أرزاقهم وانقطعت شأفة أرباب المقاطعات الذين طالما اشتطوا في مطالبهم وبطلت أو كادت السلطة الإفرادية الذوقية وقلت الأوبئة والزلازل التي كانت تحصد العمران والسكان حصداً كالزلزال الذي عاود لبنان مرات سنة 1759م وخرب القرى وأهلك الناس والطاعون الذي حدث سنة 1789م وعم لبنان كله واستمر الموتان ثلاثين سنة (1) - منذ خفت العوارض الطبيعية والأرضية أخذ كل فرد يحسن من حاله فنمت النفوس باستتباب أسباب الراحة وأخذ المرسلون وغيرهم من رجال الدين منذ زهاء مئة سنة ينشؤن أبناء الجبل على المنازع الدينية ويلقنونهم شيئاً من اللغات الإفرنجية والعلوم العصرية كما أن الموارنة ما زالت لهم علائق مع الكرسي البابوي في رومية يختلف إليه أحبارهم منذ قرون وربما انتفع الجبل من هذه الصلة والعائد.
ثم أن طبيعة الجبل تقتضي التحسين والتنظيم والمسيحيون على الجملة يميلون إلى الرفاهية ويقدرون طعم الحياة قدرها ولم يكد يدخل القرن الثالث عشر للهجرة في دور العدم ويطلع القرن الرابع عشر حتى دخل جبل لبنان في طور جديد فكثرت طرق عجلاته حتى أصبح ليده منها الآن نحو ألف كيلو متر تجمع بين قراه ومزارعه كالشبكة المحكمة وتهيء سبل