وقصورهم كما فعل الفرس وأن الاسكندر المقدوني وضع من خشب الأرز في السد الذي أقامه بين الجزيرة والشاطئ حيث كانت مدينة صور وكذلك ملوك السلوقيين في سورية أدخلوا خشب الأرز في بناء دورهم.
وكل هذه الأخشاب قطعت من لبنان أو من الجبال المجاورة له وكانت تحمل في الغالب إلى طرابلس وصيداء وصور حيث كانت دور الصناعات وقد أنشأ بعض ملوك الإسلام أساطيل من خشب الأرز وقالوا أن بيروت (1) كانت دار صناعة دمشق (ترسانتها أو ورشتها) وبها عمر معاوية المراكب وجهز فيها الجيش إلى قبرص ومعهم أم حرام واسمها العميصاء وقيل أنه عمر من الأرز ألفاً وتسعمائة سفينة وبعد سنين جهز أسطولاً أضخم من الأرز نفسه وتبعه غيره من ملوك الإسلام في اختيار الأخشاب للسفن من غابات لبنان وما برح كثيرون من المتدنيين بالنصرانية يتبركون بشجر الأرز ويحملون من غصونه قطعاً ينقلونها من قارة إلى قارة ومن مملكة إلى أخرى وهو عطر الرائحة إذا وضع في النار ويحسن في المثم إذا مسسته بيدك ولونه أصفر فاقع مشرب بخطوط حمراء لا تعبث به الأرضة ولا يفعل فيه السوس ولذلك كاد ينقرض لكثرة حرص السوريين وغيرهم على استعماله في أبنيتهم وقصورهم وهياكلهم وتماثيلهم ونصبهم.
والغالب أن الحكومة السالفة (1) القديمة في لبنان كانت تحتكر أربعة أشكال من الشجر تستثمرها لخزينتها وهي السرو والعرعر والأرز والصنوبر وتسمح بقطع غيرها واحتطابه أو غرس غره محله. وقد بدأ النقص في هذه الأشجار ولا سيما الأرز منذ خمسة قرون لأن اللبنانيين احتاجوا إلى الاحتطاب وأخذوا يكثرون من زراعة التوت والكرم خصوصاً وقد جرت عادة بعض حكام لبنان إذا غضبوا على أحد أن يقطعوا أشجاره ويخربوا داره وإلى اليوم لا يزال من الأمثال السائرة في الجبل الله يقطع رزقه أي ما يملك من شجر والله يخرب زوقه أي بيته.
مثال ذلك أن الأمير أحمد المعني طرد المشايخ الحماديين المتاولة لما كثر بغيهم في كسروان ففروا إلى بلاد بعلبك فأحرق قراهم في القرن لحادي عشر وقطع أشجارهم وقد رسم مرة بيدمر (2) نائب الشام لشهاب الدين ابن زين الدين صالح من أمراء الغرب في لبنان وكان في دمشق أن يركب على خيل البريد ويتوجه إلى قرية عين زحلتا من شوف