فيقيمون في مغارة أو مكان منفرد يتعبدون في الخلاء. زرت أحدهم في مديرية القاطع فرأيته متوفراً على كرم له هناك حتى جاد وأخصب يعمل فيه بيده ولا يكاد يأكل منه متى نضج ويصرف شطراً من وقته في النسك والصلاة. ولو قام كل امرئٍ بالواجب عليه فسعى للمعاش سعي هذا الحبيس وعبد الله وخافه لارتفعت الشرور من البشر وقل احتياجنا للحكومات وقوانينها. وهذه المحابس (1) قديمة في لبنان ترد إلى عهد هيلاريون الناسك أو قبله وفي عدلون بين صيدا وصور عَلَى مقربة من صرفند عند الجسر صخر عال حفر فيه نحو مائتي كهف اتخذها الرهبان مساكن لهم.
وبالنظر لتوسط لبنان من سورية كان نافعاً بعمرانه لها بطبيعته فكأن علو قممه - وأعلاها ظهر القضيب علوه 3063 متراً ثم في الوسط جبل صنين وعلوه 2806 متراً وأعلى نقطة في جبل الشيخ 2860 متراً_وتكاثر ضبابه وكثرة أشجاره وقربه من البحر كلها داعية إلى كثرة الثلوج والأمطار فيه فيتكون من عصاراتها ومسايلها أنهار ذات شأن عظيم في عمران الشام
فمن سفوح لبنان تنبجس أعظم أنهار سورية فنهر العاصي الذي يروي أراضي وادي حمص وحماة وأنطاكية ينبجس من الهرمل في شمال لبنان ونهر الليطاني الذي يروي بلاد صيداء وصور وتنتفع به بعض بلاد البقاع ينبع من لبنان ونهر طرابلس المسمى بنهر أبي علي ويعرف قديماً بقاديشا يخرج من سفح لبنان ونهرا الكلب وبيروت اللذان يسقيان مدينة بيروت وضاحيتها ينبجسان من السفح الغربي من لبنان ونهر البردوني الذي يسقي زحلة وبعض البقاع هو لبناني المنبع أيضاً. ومن لبنان الشرقي ينبجس الأردن الشريعة كما ينبجس من غرب لبنان الغربي نهر إبراهيم.
فلبنان في فائدته لسورية أشبه بجبال الألب في سويسرا أو بنيل مصر من حيث امتداد المنافع. وللألب والنيل المثل الأعلى. وفي لبنان عدة ينابيع منها نبع الأربعين ونبع صنين وبلقيع واللبن والعسل والباروك وعين زحلتا وقد زرت هاتين الأخيرتين.
وصلنا إلى الباروك في زهاء ساعتين من دبر القمر مارين ببيت الدين مركز مصرفية لبنان الصيفي وكفر نبرخ وبعض المزارع وقرية الباروك في واد منفرج قليلاً تنبع عينها عَلَى قيد غلوة منها أما المصطافون فيها فيختارون في الغالب النزول بالقرب من رأس