ولولا بقية من عادة النظافة والتطهر ورثها المسلمون بالتسلسل عن آبائهم وشيء من جودة الهواء في الجملة في القرى لما بقيت باقية لسكان هذا الإقليم ومن حوله.
ركبت صبيحة العيد ورفيقي قاصدين سوق وادي بردى ولعلها سميت كذلك لسوق كانت تقام فيما مضى للبيع والشراء على العادة في أسواقنا الباقية حتى الآن فيقال مثلاً سوق الأحد وسوق الجمعة وسوق الخيل وسوق الحمير. ولهذه الأسواق أمثال في أوربا. وبالقرب من السوق تضيق فوهة الوادي وينقطع العمران ليخرج منه إلى منفسح وادي الزبداني. وجبال السوق لا تخلو من نواويس قديمة على نحو ما تجد منها في جبال الشام محفورة في الغالب في القمم والآكام.
ومن السوق انتهى بنا نفس السير إلى قرية عيت الفخار من أعمال البقاع العزيز وهي القرية التي اشتهرت منذ عهد بعيد بفخارها الذي تطبخه أكثر بيوتها في تنانير خاصة وتبيعه في المدن الداخلية من أعمال دمشق.
وقد شعرنا بتغير المشاهد منذ أطللنا عَلَى عيتا ورأينا بيوت القرميد التي بنيت بالحجر النحيت على المثال الذي نشاهده في أكثر بيوت سورية.
وعلمنا أن سبب ما شاهدناه من جمال المساكن في عيتا تلك الأموال التي جلبها بعض سكانها من هجرتهم إلى أميركا وأحبوا حتى من لا تحدثهم أنفسهم بالسكنى ثانية في عيتا أن يظهروا غناهم بإنشاء الدور المنظمة ليصح عليهم المثل العربي أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها إن الغني طويل الذيل مياس أو الأثر المشهور إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده وليس كالبيوت تنم عن يسار وتدل على سعة. وبعد عيتا مررنا بكامد اللوز فجب جنين فلالا فبعلول من وادي البقاع وفي هذه القرية بتنا عند رجل من أهلها أنزلنا عنده وأكرمنا ولم يعرفنا ومع حرصه على معرفتنا اكتفينا من التعريف بالتعريض وفي المعاريض مندوحة عن الكذب.
وقد سرت إلى هذه القرية وإلى جميع قرى البقاع عدوى الهجرة وتناول الاغتراب السكان عَلَى اختلاف نحلهم ومن حديث كثير من البقاعيين تبين أن أهل كل قرية في الغالب يؤثرون في بلاد المهجر إقليماً خاصاً لهم ينزلونه أو مملكة يوجهون وجهتهم إليها فيقصد مثلاً أهل قرية كذا ولاية كذا من شمالي أميركا وأهل القرية الفلانية يقصدون جمهوريات