يسلك غير ما حفرته أقدام المارة وحوافر الدواب والماشية وجرفته السيول والرياح منذ قرون. فالطرق المعبَّدة المطروقة لا أثر لها في هذا الوادي ولعل ذلك ناشيء من كونه حديث عهد بالحكومة المنظمة فقد كانت معظم قراه من قبل تابعة لأقضية بعيدة أما الآن بعد أن غدا من مركز قضاء الزبداني على بضع ساعات فقد بات يرجى بفضل قائم مقامه الغيور أن تنظم لأهل قضاء الزبداني طرق غير طريق السكة الحديدية تصل بين قراهم وبين دمشق حاضرة الولاية ليتيسر للناس الغدو والرواح من أيسر السبل. وما أخال ذلك معتذراً على الحاكم إذا حث أهل كل قرية أن يقوموا بأنفسهم لتمهيد طريقهم أيام انقطاعهم عن العمل كفصل الشتاء مثلاً لما يعرفون من الفوائد التي تنجم لهم عنها أو يعلمونها بواسطة الموظفين الأمناء وإن كانت هذه الطريقة لا تخلو من محظور لأنها تؤدي إلى السخرة والسخرة ممنوعة بنص القانون الأساسي. وتمهيد الطرق وبث الأمن من جملة الفروض العينية عَلَى كل حكومة.
وبعد فإنه لا وجود في وادي بردى لسائر المرافق التي يتمتع بها الفلاح في البلاد المتمدنة وذلك لأن الحكومة الاستبدادية الماضية لم يهمها من الفلاح إلا أن تأخذ منه لا أن تهيئ له سبيل الأخذ. فكان قصاراها تكثير الجباية وتوفير الضرائب وأخذ من تريده للخدمة العسكرية أما أمتاع الآهلين بالوسائل الحصية وتعليمهم الطرق الزراعية القريبة المأخذ وفتح سبل الواصلات ورفع علم الأمن وتعليمهم الضروري من القراءة والكتابة فكانت أموراً لا تعرفها لا في وادي بردى فقط بل في جميع أودية البلاد العثمانية وسهولها وجبالها.
ومن أغرب ما رأيناه في وادي بردى أن بعض قراها تحفر القبور لموتاها أما الدور فترى حي الأحياء مع حي الأموات وما أدري هل يأتون ذلك بالقصد حرصاً على رفات موتاهم من أن تسطو عليها الوحوش الكاسرة في مدافنها إذا لحدوها بعيدة عن العمران ولو بضع خطوات أو أنهم يؤثرون دفن الموتى أما أعينهم ليذكروا كل شارقة وبارقة مصير الإنسان إلى دار البقاء ويزهدوا في دار الفناء فلا يهتمون بأسباب الهناء والصفاء.
ومما عمت به البلوى في الفلاحين أنك ترى القاذورات أيضاً تعمي العيون وتخنق الأنفاس فترى روث البهائم وغائط الآدميين وسط الدور وخلفها وقدامها وعن ايمانها وشمائلها.