التاريخ إلا تقاليد يتناقلونها بالأفواه وهي لا تساوي شيئاً إذا وضعت على محك النقد وإذا كانت الأديار خالية من مثل هذا فاحر بأن تكون سائر المعاهد أخلى فدير صيدنايا لراهبات الروم هو بحسب ما شاهدنا من أقدم أديار الجبل وليس فيه تاريخ الدير نفسه وقيل لنا أن أهل الدير حرقوا باختيارهم منذ نحو قرن كتباً سريانية كثيرة ولو أبقوا عليها لما خلت من فوائد كان القائمون عليها يحتقرونها او يخافون منها إذ ذاك وهي أنفع ما يكون للتاريخ اليوم وغاية ما فيه الآن كتاب نسخته إحدى راهبات الدير سنة 1887 م واسمها تقلا غزال ولم تذكر شيئاً عن الأصل الذي نقلت عنه وهو حديث أيضاً ويفهم من مقدمته وفيه شرح تقاليد كثيرة متعلقة بدير صيدنايا إن هذا الدير بني على يد يوستنيانوس الكبير ملك الروم في السن الخامسة والعشرين من ملكه سنة 553 للميلاد وذلك عند مروره في تلك البقعة فاختارها لإقامة هذا الدير ليجعل محطة لها صدي بيت المقدس من أهل القسطنطينية وغيرهم وفي هذا الكتاب أمور تتعلق بتجلي السيدة العذراء عليها السلام ليوستيانوس حتى بنى ديره وهو مثل ما يقوله المسلمون عن بعض معاهدهم، وهذه التقاليد لا يثق فيها التاريخ ولا تنطبق على العقل ويأخذها المعتقدون بالتسليم دون أعمال النظر فيها على أن الإحساس الديني تجب مراعاته مهما كان وحقائق العلوم العصرية هي التي تمحو وتثبت.
وفي الجبل أديار غير العامرة الآن في قارة ويبرود ومعلولا قد أصبحت مأوى للبوم مثل دير مار شبريين ودير مار توما بالقرب من صيدنايا كما تجد كثيراً من النواويس (مقبور) محفورة في الجبال، ومنها ما رأيته في منين وعين الصاحب ومعلولا.
والجبل إلا قليلاً متشابه بعمرانه ولكنه مختلف بهيئات سكانه ولهجاتهم فلكل قرية لهجة خاصة بها وسحنة يعرف بها أهلها فأهل معلولا لا يشبهون أهل عين التينة وأهل يبرود لا شبه بينهم وبين أهل الرحيبة، والظاهر من سحنات القلمونيين أن منهم اليعاقبة والسريان ومنهم الروم والتركمان ومنهم العرب فاختلفت لهجاتهم باختلاف أصولهم وإن كان تركيب بعض أسماء قراهم متشابهاً مثل يبرود وجيرود ومعرة ومعرونة وعسال وعرسال وجبة وجبعدين وفليطا وتلفيتا، وتلفيتا هذه هي التي قال فيها صاحب المعجم أنها كانت بلد قسام الحارثي من بني الحارث بن كعب باليمن التغلب على دمشق في أيام الطائع وكان في أول عمره ينقل التراب على الدواب ثم اتصل برجل يعرف بأحمد الحطار من أحداث دمشق