وكان من حزبه ثم غلب على دمشق مدة فلم يكن للولاة معه أمر واستبد بملكها إلى أن قام من مصر يلكين التركي فغلب قساماً ودخل دمشق لثلاث عشرة ليلة بقيت من محرم سنة 376 فاستتر أياماً ثم استأمن إلى يلكتين فقيده وحمله إلى مصر فعفا عنه وأطلقه.
ومن صنائع جبل قلمون وبعبارة ثانية بعض قراه مثل التل وحلبون ويبرود ومعلولا البسفي فإنه تعمل فيها بسط غليظة ولكنها متينة يستعملها أهل الجبل والمجاورون لهم من سكان القرى كما يحيكون الخام الجيد في هذه القرى، ولا جمال على صنائعها ولكنها متينة جداً ورخيصة وقد لا يربح العامل قرشين في نهاره ومع هذا يجد نفسه سعيداً بهذا المقدار الطفيف.
وهواء الجبل معتدل جداً وهو أنفع لأكثر الأجسام من هواء لبنان البليل لقرب ذاك من البحر يورث النفوس نشاطاً ومضاءً وإن الذكاء الفطري يغلب على سكانه وتساوى في ذلك سكان جروده وسهوله وقراه ومزارعه وإسلامه ونصاراه ولو سعت الحكومة بجد لإصلاح طرقه ومواصلاته والخطب فيها سهل جداً لكثر اختلاف المصطافين إليه وخصوصاً سكان دمشق لأن قلمون منها بمنزلة لبنان من بيروت والطرق فيه عامرة بطبيعتها مثل طريق صيدنايا إلى معلولا وطوله خمس ساعات ونصف وطريق معلولا إلى يبرود وطوله ثلاث ساعات وطريق يبرود فالنبك فدير عطية فقارة وهذا الطريق على طوله لو صرف عليه بضع مئات من الليرات لسارت عليه المركبات كما تسير على أحسن الطرق المعبدة ولكن الحكومة في الدور الاستبدادي كانت لا تحسن من الإدارة إلا أن تسلب نعمة الفلاحين بطرقها المعروفة من تكثير الضرائب والعبور والرسوم وإرهاق الفقير بالإعانات الكثيرة ولعل دولة الدستور تقوى في أقرب وقت فتجعل من مالها ووقتها نصيباً تصرفه في ترقية البلاد فتستعيده بعد سنين أضعافاً مضاعفة من أهلها وقد كانت حكومة الاستبداد ترى أن غناها بإفقار الأهالي فالواجب على حكومة الدستور أن تعتقد أن غناها من غناهم وسعادتها بسعادتهم.
وإن جبلاً كقلمون وهو جزء صغير من ولاية سورية وجزء أصغر من هذه المملكة العثمانية إذا حسنت إدارته ونظرت حكومته في عمرانه ليخرج من الخيرات ما لا يخرج مثله الجبل الأسود ذوالبند والعلم وصاحب الملك والوزراء، وكيف يعمر مثل قلمون إذا كان