وألبان قطعانها من أدسم ما ذاق الذائقون، ولو تمت أمنية الفلاح القلموني بانتشار الأمن في شعابه وهضابه في الفصول الأربعة لربح الفلاح كل سنة القرش قرشين من ماشيته فقط ومن كانت عند المئة يجني المئتتين ومن ملك الألف جاءته ألفان، ويرى الخبيرون بأنه لا سبيل إلى تقرير الأمن في قلمون إلا بوضع أربع مخافر الأولى في الضمير والثانية في الناصرية والثالثة في الحميرة والرابعة في القريتين وأن يجعل في كل واحدة منها ـ وفي بعضها قلاع لإيواء الجند ـ خمسة وعشرون جندياً نظامياً فارساً (مفرزة) وبذلك يرهب أشقياء عرب البادية بأس الحكومة ويكفون عن السطو على ضعاف الأهلين كلما اهتبلوا الغرة.
ولا تجد في قلمون غابات كأكثر جبال العالم بل هو جبل أجرد أقرع ولو صحت عزيمة سكانه لأكثروا من زرع التين والكرم واللوز والجوز في الأراضي القريبة من القرى ومن السنديان والبلوط في النجاد والشعاب، والظاهر أن فأس الحطاب وأسنان الماشية اتفقت زمناً طويلاً على تجريد الجبل من أشجاره وغاباته فلا تجد الشجر إلا قرب القرى وقد تمشي الساعات ولا تجد أثراً للزرع ولا للشجر.
قال أحد الأجانب ممن زاروا هذا الجبل مؤخراً كنت أتمنى في حياتي أن أشاهد جبلاً أجرد من الكلأ والشجر فها قد قرت عيني في قلمون بمشاهدة ما كنت أريده من الجبال الجرداء أما ابن سورية فيتمنى لو قرت عينه برؤية جباله شجراء ذات غابات غبياء.
وليست مياه قلمون شحيحة عزيزة بل هي عذبة غزيرة كأحسن البلاد الجبلية ولكن منها ما يحتاج للإنباض وللعهد والعناية وإذا توفر الأهلون وساعدتهم الحكومة قليلاً على توفير مياههم تزيد كميتها بحفر العيون والأقنية والانتفاع بالمياه والسيول حتى لا تضيع منها نقطة بلا فائدة، ومن هذه العيون ما يشفي الأوصاب ويقوي الأجسام ويساعد على هضم الطعام وأطيبها ما قرب من جرود الجبل حيث يكثر نزول الثلوج وتبقى كل سنة ستة أشهر متراكمة في النجاد والوهاد وأبشع مياه الجبل طعماً في معرونة وهي جمع من ماء الشتاء ولكن طعمها أشبه بالملح الانكليزي بيد أنها إذا ثقلت في الطعم فلا تثقل على الهضم.
وقد بحثنا في بعض قرى الجبل عن آثار حجرية مكتوبة أو كتب مخطوطة علنا نقع فيها على مواد تاريخية ينتفع بها فخاب سعينا إذ شاهدنا معظم أديار الجبل لا يعرف أهلها من