الخبث منذ الصغر ولما ترعرع شرع يتجسس لعمه السلطان عبد العزيز على أخوته وآل بيته لينال منه الإحسان ويغلو فيكشف عورات أخيه ماد خاصة وكانت تقاريره للسلطان عبد العزيز متصلة كتقارير جواسيسه في عهد سلطنته ولطالما كدره السلطان عبد العزيز على تشاغله بالسفاسف ويكفي في بيان الفرق بين أخلاق السلطان مراد وأخلاق السلطان عبد الحميد أن الأول كان يعنى في صباه بالشعر والموسيقى ودرس مدنية أوربا وتاريخها على حين كان أخوه لا همَّ له إلا درس السحر والطلسمات وضرب المندل وأخذ الفأل ويتقرب لذلك من المشايخ والبله والدجالين.
مضى ثلث قرن على الأمة العثمانية وهي تفنى في سلطانها فناء جنون لا فناء عقل وكنت إذا خلوت حتى بخاصته وصنائعه يحدثونك من تلاعبه وأخلاقه ما تسأل الله معه السلامة وتسجل على فساد أخلاقنا أكثر من فساد أحكامنا وأعمالنا وكل منهم يورد لك من أسباب اضطراره إلى الصبر على هذه الخدمة ما هو العجب العجاب.
فبالإسراف في مال الأمة استمال عبد الحميد قلوب الأغمار ممن تزيوا بزي العلماء وهم جاهلون فكانوا يكذبون على الله والناس ويذكرون لهم من صفات سلطانهم ما هو الزور البحت وإذا فتح المنصفون أفواههم بالنقد أسكتوهم وحرموا إنكار المنكر عليهم. وبالجواسيس اطلع على الدقيق والجليل من نيات الأمة وما كان يهتم إلا للأمور الصغيرة ولاسيما ما كان منها متعلقاً بشخصه أما عمران البلاد وترقية معارفها وصناعاتها وزراعتها وتجارتها فلم يكن لها قيد في سجل أعماله.
وكفى في عدم احتفاله بأمور الرعية وإصلاح البلاد أنه انسلخت عن جسم الدولة في أيامه المشؤومة بلغاريا والروم أيلي الشرقية ودوبروجه في رومانيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك وانضمت بعض الألوية للصرب ولليونان تساليا وابيروفارتا ولفرنسا تونس ولروسيا القوقاس وباطوم وأردهان وقارص ونال الجبل الأسود استقلاله وانفصلت قبرص وكريت لو كادتا واحتل الإنكليز مصر وهكذا انفصل من جسم الدولة نحو ثلثيها بعدد النفوس والعمران.
ماذا تعدد هذه الأمة من سيئات الدور الحميدي ونزع سلطة الحكم من الباب العالي وكانت من قبل فيه على شيء من العقل والقانون وانتقالها إلى المابين يعبث بمصالح الأمة